الأحد، ٢٦ أكتوبر ٢٠٠٨

المواطن ....... صفر

المواطن ....... صفر

أفزعتني الأرقام التي ذكرها محسن السكري ضابط الشرطة المصري السابق والمتهم بقتل اللبنانية سوزان تميم أثناء تحقيقات النيابة المصرية معه حسب ما أوردتها جريدة الراي يوم الخميس 23 ـ 10 ـ 2008.

وأزاحت اعترافات السكري الستار الكثيف الأسود عن الحقيقة البشعة لتحالف رجال الأعمال والسلطة في مصر، وحياتهم المستهترة التي تنفي الوطنية والإنسانية معاً خلف أسوار القصور والفيلات الأسطورية التي يختبئون فيها عن عيون الفقراء التي غارت في أحداقهم العظمية.

ومدي التردي الذي انحدر إليه التحالف الشيطاني البغيض، وكيف توحش إلى الحد الذي استهان به بكل شيء، ووقف في أوسع ميادين القاهرة عرياناً مخموراً لينادي بأعلى صوته (أنا جدع).

وفجرت في أذني صرخة المصري البسيط الذي ضاق بمصروفات ولده الجامعي فانطلق لسانه بجنون:

(الفلوس مبقطعهاش من الجبل، ولا عند أمك مطبعة تحت السرير، دا مرتب شهر كامل للبيت كله خلص في نص شهر حرام عليك. اتق الله)

ولا أعرف يقيناً هل ترك الشاب المسكين الجامعة ليغسل الأطباق في محل كشري، أم اختصر رحلة العذاب وألقى بجسده في النيل.

فالسكري وهو يدرأ عن نفسه تهمة القتل، اعترف بأنه اشترى كوكايين ودسه في برواز لتلفيق قضية مخدرات لتميم.

وذهب في رحلة تحريات عن المغدورة إلى اوروبا استغرقت عشرة أيام استحق عنها مكافأة مسبقة 20 ألف جنيه استرليني.

واتفق على خطف تميم من لندن وإحضارها إلى القاهرة حسب نص اعترافاته في النيابة:

(هو كان المفروض إن أنا كنت هاجيب ناس في لندن ينفذون العملية دي مقابل مليون جنيه استرليني)

والجائزة الكبري التي حصل عليه السكري مقابل قتله تميم كما جاء في استجوابه بالنيابة العامة:

(كان المقابل هو 2 مليون دولار.
وأين يوجد ذلك المبلغ؟
-
المبلغ ده موجود في شنطة حمراء جلد موجودة في شقتي اللي في مدينة الشيخ زايد عمارة 528 الدور الرابع شقة 19.
وهل بوسعك تقديم ذلك المبلغ؟
-
الشنطة موجودة في الشقة عندي ومستعد أرشد عنها وأقدمها للنيابة)

وإمعاناً في إزاحة حبل المشنقة عن عنقه لا يتورع الضابط السابق الذي لم تستوعب وزارة الداخلية مواهبه بعد أن فجرتها بالتعليم، وصقلتها بالخبرة، أن يعترف بأنه كان يبتز هشام طلعت ويسخر منه حسب قوله:

(وأنا كنت باشتغله علشان آخد منه فلوس، وإنما كان مفيش فريق معايا ولا حاجة، وكل الحوارات دي أي كلام، وده واحد أنا باخده على قد عقله، وباخد منه فلوس وخلاص، وأنا ماقتلتش اللي اسمها سوزان دي)

فهل كانت هذه الفلوس التي يبددها الملياردير المصري فلوسه، أم أنها دماء الشعب المصري التي مصوها حتى أصبح 60% منه تحت خط الفقر.

وإذا كان الملياردير المصري أنفق كل هذه الأموال وهو ساخط على امرأة واحدة، فكم أنفق عليها عندما كان راضياً عنها؟!

ويعجز خيال الفقراء أمثالي عن تصور حجم الإنفاق الذي تبذله أيدي هؤلاء السفهاء على النساء، فضلاً عن إنفاقهم العام شهرياً.

وهذا يجعلنا نتساءل عن حجم الأموال التي تصب شهرياً إن لم يكن يومياً عبر تسهيلات رجال السلطة الذي يحمون الممولين الأسخياء.

ويوجه السكري الاتهام مباشرة إلى رجال السلطة الحاكمة في إشارة فاضحة للفساد الذي استأسد على المصريين وأخرج لهم لسانه متحدياً.

يقول السكري:(وبعدين أنا قلت لهشام الكلام ده ماينفعش لأنه هاينكشف لأن الموضوع بلدي، مع أنه قاللي إن السلطات المصرية كانت هتساعده في دخولها البلاد)

اهتاجت نفسي وارتعشت عندما نصبت لي ذاكرتني صورة بلدياتي الفلاح الفيومي الفقير الذي يأس من البحث عن عمل لكسب قوت عياله بعد أن رحل إلى العاصمة، فشنق نفسه بحبل في كوبري فيصل بالجيزة وتأرجح فيه حتى الموت.

ولا عزاء للفقير الذي جاءني لأتوسط له في الحصول على شقة إيواء لتستره وأبناءه الأربعة وأخته المطلقة وطفليها، بعد أن داخوا على مكاتب المحليات بدءً من السيد المحافظ حتى المدام مسئولة الوحدة المحلية، والتي انتهت بالضحك على ذقنه بأن المواطن المسكين أضيف إلى قائمة الانتظار، وهي صيغة يدغدون بها أعصاب الفقراء حتى يتحلوا باليأس والاستسلام، أو يريحهم الله من عذاب الدنيا، أيهما أقرب.

هذه هي مصر التي سرقها العسكر ومازالت تتلمس المخرج من متاهتهم التي أرهقوها فيها بحالة الطواريء، ومازالوا يفعلون، وستبقى مصر ألعوبة في أيدي الطغاة حتى إشعار جديد بإعادة الحياة لهذا الشعب بإطلاق حريته، وعودته إلى الحياة الإنسانية الطبيعية.

وهو اتجاه إجباري لا خيار معه، والحياد عنه يعني صفراً.

وبخبرتي كمدرس رياضيات سابق أعرف يقيناً المعادلة من الدرجة الصفرية التي تقول أن سبعين مليون صفر تساوي صفر.

أحمدي قاسم محمد

باحث وأديب مصري

الأربعاء، ١ أكتوبر ٢٠٠٨

من قلبي

رسالة من قلبي إلى السادة في أمن الدولة
السادة في أمن الدولة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اسمحوا لي بكلمات من القلب، أسأل الله تعالى أن تسلك إلى قلوبكم مسلكاً لطيفاً، وأن تنزل عليكم برداً وسلاماً.
لقد أسفت لممارساتكم حيال بيوت الله في رمضان المنصرم ـ أعاده الله على الأمة بفهم الدين وجمع الشمل، والتأهيل للنصر ـ.
وكان لهذه الممارسات من مرارة في حلقي لما آل إليه حال المؤسسة الأمنية المنوطة بحماية أرض الكنانة، درة الأمة الإسلامية..
وفهمي لديني أيها السادة يصنفكم في جماعة المسلمين المصريين المستهدفين لفهم الإسلام فهماً وسطياً وشاملاً، ومكانتكم كنقش بارز في النسيج الوطني المصري.
أقول لكم أيها السادة كلمة أعتقد أنني سأكون آثماً إن كتمتها في صدري، وخائناً للعلم الذي ائتمنني عليه ربي إن لم أبذلها لكم قربى لله تعالى.
أيها السادة أنا مشفق عليكم من الخسارة.
والخسارة التي أعنيها ليست بالطبع خسارة المال، فأنتم تتمتعون بامتيازات مالية كفيلة بتحقيق حياة مترفة.
ولكن الخسارة الحقيقية خسارة المكانة عند الله تعالى والتي لا تتحصل بالرتب والنياشين ورضا الوزارة والسلطة الحاكمة، ولكنها تتحصل فقط برضا الله تعالى، والاجتهاد في أعمال الطاعات.
ففي رمضان يجتهد عامة المسلمين في تجنب المعاصي، والحرص على التقرب إلى الله تعالى، بقراءة القرآن وإحسان الصيام والصدقات والاعتكاف في المساجد وغيرها من أعمال القربى، ولكن وظيفتكم مناقضة تماماً لما يقوم به عامة المسلمين.
فعملكم يقوم على متابعة المساجد وضبطها حسبما تريدون، أو بتعبير أدق ـ حسبما يملى عليكم ـ.
ففي نطاق عملكم تحديد الأئمة القراء لصلاة القيام، والتشديد العنيف على حرمان أي متحدث مهما كان علمه أو مكانته عند الناس من التحدث في خاطرة القيام غير المرضي والمصرح له بذلك منهم.
ولهذا تم منع صلاة القيام بجزء من القرآن في العديد من المساجد. وحشد العديد من الأئمة في المسجد الواحد كأساسي واحتياطيون للحيلولة دون إلقاء أي كلمة من غير السادة المشايخ.
والسادة المشايخ كانوا الضحايا الحقيقيين لهذا الحصار، فقد أهينوا إهانات بالغة، لم يخفف من وقعها على نفوسهم سوى اعتيادهم عليها، والتعامل معها كجزء أصيل من عملهم الوظيفي اليومي.
ومن الأمثلة الصارخة استدعاء أحد مقيمي الشعائر بسنورس، وأوقفه أحدكم أمامه وقال له:
ــ بعتوك في مسجد كذا ومرحتش، ومسجد كذا ومرحتش، وحياة أمك لو ما اتظبط لأجيبك هنا وخلعك ال... (ملابسه الداخلية) وأخلي العيال يعملوا فيك ....
وتم استدعاء أئمة المساجد التي خصصتها أمن الدولة للاعتكاف مع مديريهم ليقفوا في صالة السلم بأمن الدولة ـ أي والله وقوفاً ـ في انتظار المثول بين يدي أحدكم بعد أن يستدعيهم السيد المخبر كل بمسجده المعين فيه، ليتلقى التعليمات والأوامر الخاصة بالإبلاغ عن أسماء المعتكفين تفصيلياً.
والمثير أن حرصكم على أمن الدولة دفعكم لتخصيص كشكول لكل معتكف (مسجد) لتسجيل أسماء المعتكفين فيه والملاحظات الواردة عليهم.
وأمن الدولة لا تصرح بالمعتكف لإحياء سنة النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولكنها تتخذه مرصداً للتعرف على المتدينين الجدد، وتستثمره في تنشيط ذاكرة السادة المخبرين بصور وأسماء المسجلين والمقبلين على التسجيل.
ونسيتم أيها السادة المثل المصري الرائع الذي يقول: "اللي بيزمر ما بيغطيش دقنه".
وتم التنبيه المصحوب بالتهديد بعدم خروج مسيرات للتكبير ليلة العيد، وعينت حراسات عسكرية على أبواب المساجد عقب صلاة العشاء وبعد غلق المساجد.
يا سادة والله العظيم من قلبي أنا مشفق عليكم كإخوة.
حزين على موقفكم من بيوت الله، هل تعتقدون أن هذا عمل إسلامي أو وطني أو مهنة شريفة؟
المساجد يا سادة بيوت الله وليست مصالح حكومية، ولا يحق لأحد أياً كانت درجته الاجتماعية أن يتحكم فيها.
يا سادة والله العظيم من قلبي أنا مشفق عليكم.
المسلمون يشغلهم القرآن والقيام والعكوف في بيت الله وأنتم ماذا يشغلكم؟
حاولوا أن تستحضروا إجابة تدافعوا بها عن أنفسكم أما رب هذه البيوت التي أصبحت شغلكم الشاغل.
أو ماذا سيقول أحدكم لنفسه عندما ينظر لوجه الوضيء في المرآة؟ أو عندما تقع عيناه في عيني ولده أو زوجته؟
يا سادة والله العظيم من قلبي أنا مشفق عليكم.
في يوم العيد يتعانق المسلمون مهنئين وداعين بقبول الصيام والقيام والدعاء والصدقات، وأنتم ماذا سيقول بعضكم لبعض؟
تقبل الله منا ومنكم إهانة العمائم وتخويف الناس؟
تقبل الله منا ومنكم منعكم صلاة القيام بجزء في مسجد كذا وكذا؟
أم تقبل الله منا ومنكم منع الإمام الفلاني من الصلاة، والشيخ العلاني من الكلام؟
أم تقبل الله منا ومنكم إلغاء سنة النبي بالتكبير ليلة العيد؟
أم تقبل الله منا ومنكم منع الإخوان وتشديد الحصار عليهم حتى يبدو الأمر وكأنهم غير موجودين في المجتمع؟
يا سادة الحقيقة مريرة.
لقد تورطتم في تخويف المسلمين، والتحكم بغير حق في بيوت الله. خلال حملتكم على الإخوان المسلمين.
يا سادة الحقيقة التي أعتقد أنكم توقنون بها كمسلمين، أن الأمة ترجع إلى الله، وأن وقف الزحف الجماهيري إلى صراط الله المستقيم لن يوقفه قوة مهما عظمت وتوهمت، ولديكم من الأدلة ما لا يتوفر لآحاد الأمة.
يا سادة.
الذين يحاربون الإخوان المسلمين لا يواجهون جماعة بشرية، ولكنهم يواجهون قدر الله.
ومن قلبي مهما اختلفت معكم، أو أوذيت على أيديكم، أقول لكم إخواني:
أرجوكم لا تقفوا في وجه القدر الإلهي القادم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحمدي قاسم محمد
النائب الشرعي لدائرة مركز سنورس