السبت، ١ نوفمبر ٢٠٠٨

إنهم يمسخون المصريين


إنهم يمسخون المصريين

(أوقفت الأجهزة الأمنية المصرية موظفًا "كبيرًا" في إحدى الإدارات الرسمية، وزوجته المدرّسة، بعدما وجّها دعوات عبر البريد الإلكتروني لحفلات جنسية "لتبادل الزوجات"، داخل شقة الموظف في العجوزة)
هكذا جاءت الخبر المبكي نقلاً عن شبكة إخباريات، التي أوردته من جريدة المصري اليوم والمنشور بعددها السبت 25/10/2008 ليصدم مشاعرنا ويطعننا طعنة تشعل أجسادنا ناراً، والمؤلم أكثر أن ذات الفكرة الخبيثة، أو الجريمة البشعة جاءت كخبر أيضاً منذ بضعة أيام لكن من سوريا.
وسوريا مصر في هم حالة الطواريء سواء، ويعانيان مما أفرزته من قذارات وعفن.
والفضيحة القاهرية الجديدة تنصب في وجوهنا علامة استفهام مبدئية عن المسئولية الاجتماعية، وعن الانهيار القيمي، والتراجع الإنساني المخيف في أرض الكنانة خاصة.
أربعة وأربعون أسرة تمارس هذه الجريمة في العاصمة على ضفاف النيل !!!!!
وليس دفاعاً عن ساقطين على طريقة جعلوني مجرماً، ولكن المسئولية الإجرامية لا تنفك عن حكومات العسكر التي فرغت الإنسان العربي من هويته وألقته في العراء بلا سند ليلقى مصير النبت الشيطاني المنبوذ في الصحراء.
ففي في سبيل إرضاء الحلفاء الغربيين الذين مكنوا لهم، وأضفوا عليهم شرعية مزيفة، اعتمدوا سياسات المسخ الإنساني المصري، ورضوا بها نهجاً للمجتمع العربي.
فالتلاعب في العقل المصري، وتغيير توجهاته وقناعاته السياسية، وأسلوبه الحياتي اليومي، ورؤيته للآخر العدو المغتصب، وتطلعاته الفردية والجماعية، كان الشغل الشاغل للسياسات التربوية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية، بل وأيضاً صياغة الدساتير والقوانين الحاكمة للمجتمع، ووظيفة الشرطة والجيش معاً.
الحذر السلطوي المصري من استعادة الأمة للرؤية الصحيحة للإسلام لم يكن مبالغاً فيه ، ولكنه جاء موافقاً للهلع الفرعوني من موسى عليه السلام.
وفي غمار حربها المحموعة على الإرهاب ـ كما يدعون ـ داسوا الإسلام وحاربوه بشراسة على كافة المحاور، بدءً من تجفيف المنابع، نهاية بالقهر والسحل وتشييد قلاع الحبس والتعذيب.
عندما يولد الطفل في ظلمة الخرابات وقذارتها، فمن الطبيعي ان يألف بيئته، ويستانس بمفرداتها، وتكون لها الدور الأول والفاعل في تشكيل مكوناته الثقافية.
أخشى ان أقول أن الإنسان العربي في ظل السلطات المغتصبة للسلطة والثروة، طفل شوارع، إنسان مطموس الملامح، ليس أمامه سوى البحث عن ملامحه، وخياراته في زحمة الميادين المكتظة، ودروب الحارات والأزقة، وعلى الأرصفة العارية.
جاءت الفكرة إلى الموظف الكبير الذي قارب الأربعين من مشاهدة فيلم إباحي مع زوجته، عرض عليها فكرته التي أوحى إليه بها الشيطان، فوافقت.
وجه الدعوات وزوجته، فوافقه ثمانية وثمانون رجلاً وامرأة في ثلاثة شهور فقط، ومن محافظتي القاهرة والجيزة فقط.
أين تعلم هذا المسخ المصري ـ زوجاً أو زوجة ـ الحرام والحلال؟ ما يأمر به الدين وما ينهى عنه؟ ما يصلح الإنسان وما يفسده ويدمره؟
فالمساجد تحولت إلى مصالح حكومية، فلم تعد مؤهلة لتقديم الإسلام للناس، فالخطباء ـ في معظمهم ـ مجرد موظفين حكوميين يؤدون أدواراً محددة، منها إيهام الناس بأنهم علماء، وأهمها المنع والإبلاغ عن كل من يمارس أي نشاط فردي او جماعي داخل المسجد ـ المصلحة الحكومية ـ
والمدارس تجردت من المعلمين القدوة الأكفاء بفعل الترهيب والافقار والممارسات الأمنية القاسية التي تحول دون تعيين المتدينين، والمناهج خاصمت الدين، بل وناقضته، وتحولت مادة التربية الدينية إلى مادة هامشية لا قيمة لها ولا درجة، ومضمونها الدراسي لا يحمل سوى توجيهات عامة، وآداب وسلوكيات، لا تصلح لتربية إنسان سوي، ولا تنتج بدون رؤية عقيدية سليمة مسبقة، وقاعدة إيمانية تربط المتلقي بربه ـ عز وجل ـ.
ومؤسسات إعلامية صممت للإلهاء والتغريب، وتتفنن في إثارة الغرائز، ومداعبة الشهوات، وتعرض الدنيا كمغنم يتسابق إليه العقلاء، ولا فوز بعدها، وتؤصل الفردية والأنانية، وتطرح البرجماتية أسلوباً للثراء والتفوق، فينشأ الفرد مؤسسة قائمة بذاتها، جزيرة معزولة، همج لاهث في ممر ضيق لا يرى أي من المهرولين على دربه إلا نفسه.
أما القهر والتسلط والحرمان من الحقوق الإنسانية، فضلاً عن المواطنية، فهو هم الممارسة اليومية، التي تبدأ بدعاء الصباح المصري( اللهم قنا شر الشرطة، وأبعدهم عنا واستر علينا وإلا فنحن الخاسرون) ثم يخرج فيمشسي بهدوء وحذر(جنب الحيط).
فإذا التقطته يد رحيمة مشفقة فذاق حلاوة الإيمان، وجاهد ليرى بنور الله، أرهبوه وأهله، واقتادوه مكبلاً إلى الزنازين، وجرته الكلاب الآدمية للمثول بين يدي من هم أقسى منهم قلباً، وأعلى منهم رتبة، فإذا انكسر، خرج مهزوماً ليست لديه رغبة في الفعل ولا حتى في الحياة ذاتها.
وإذا كان النور قد تمكن من قلبه، واستقرت بشاشة الإيمان في روحه، فعليه ان يعيش قدره المحتوم، فيصبح في العرف السلطوي إلى أدنى من جنسية البدون، ويعاني ما يستحقه من العنت والحرمان هو وكل من قاربه ـ ولو عن بعد ـ نسباً وصداقة وجواراً.
لهذا أبرزت لي ذاكرتي صورة ارشيفية لذلك المسجل الخطر بلدياتي الذي التقيته في أحد مرات سجني، وأثارني حياءه وهدوءه وصمته المتواصل على عكس طبيعة المجرمين، رغم أنه أشرسهم واعتاهم عندما يستفز.
ولما أثار فضولي سألت زميلاً له فقال: (أصله كان شيخ، وحفظ من القرآن حتى سورة القصص، ولما خوفوه في امن الدولة أراد أن ينفي عن نفسه التهمة فجلس على المقاهى، وانزلق إلى المخدرات والباقي تعرفه).
فهل صديقي المسجل خطر جان أم مجني عليه؟
وهل هؤلاء الذين انسلخ من إنسانيتهم جناة أم مجني عليهم؟
وهل المصريون القابعون في هلع بعيداً عن دائرة الفعل جناة أم مجني عليهم؟
الذي أعلمه يقيناً أن الحكام مغتصبوا السلطة والثروة وكافة من عاونوهم مسئولين مسئولية مباشرة عن انهيار المجتمع المصري.
والذي أعلمه يقيناً أن كل من وهبه الله تعالى الفهم الصحيح للإسلام سيشهد عليه علمه الذي حبسه في صدره، أو قعد به رهبة او رغبة.
الذي أعلمه يقيناً أن الخيار الوحيد الآن هو إعادة بناء الأمة وفق المنظومة الربانية، ولا أجر ولا عزاء للقاعدين.