السبت، ٢٣ يناير ٢٠١٠

فاعل مصر مجرور

فاعل مصر .......... مجرور
فاعل مصر كان دائماً مرفوعاً. لأنه عربي أصيل يقف في مقدمة الصف العربي، ويستفتح به دائماً، فهو الأول والأكثر ثراءّ ووجوداً على الساحة العربية
كان يقف مزهواً بهمزته التي تتوجه بين الحروف جميعاً، الكل يعرف قدره ومكانته. لقد كان الفاعل الذي تصدر عنه جميع الأفعال، يملك إرادة وقدرة على الفعل، ودائماً كان فوق المفعول به، حتى اتهم بأنه طاغية، والتصقت به التهمة، وكاد الناس يعتبرونها حقيقة.
وكان الفاعل في مصر ملكاً حقيقياً مرفوع الرأس، يختال بها ويفخر على جميع الحروف في الأبجدية العربية.
ولأن فاعل مصر دائماً مرفوع، فهو قوي بما يكفي فلا يقدر أحداً على كسره.
وكان يتخذ نائباً يعيش مرفوع الهامة بين الجميع، يحل محله ويؤدي فعله، في غيابه الإرادي أو الاضطراري.
ولكن فاعل مصر لم يعد له نائباً، أصبح وحيداً بغير نائب، فسر العلماء هذه الظاهرة الغريبة بقولين: قال فريق: فاعل خائف جبان، لا يقبل بأحد معه، يخشى أن يسلبه صلاحياته، أو يعرف سره، لأنه فاعل مزيف ودخيل على المنظومة الأبجدية.
قال آخرون: هو ضعيف بالفعل ولكن ضعفه يأتي من تشاؤمه، يرتعد من وجود نائب، لأنه يعتقد أن النائب نذير شؤم على الفاعل، هكذا صور له وهمه وخياله المريض.
ذات يوم غائم لم تطلع له شمس، دفع الرعب فاعل مصر، إلى الخروج من المنظومة الأبجدية، فخرج.
أراد أن يكون فاعلاً بمفرده، فاعلاً خارج المنظومة على طريقة النسق العربي الأصيل، ولكنه غرد وحيداً خارج السرب، شاذاً منبوذاً.
من يومها لم يعد فاعلاً، فقد القدرة على الفعل الإيجابي، وخسر مكانته في منظومة الحروف.
قالوا أنه أصبح مفعولاً به، وأقاموا الحجج والبراهين على صدقهم، والجميع يصدق هذا، الفاعل لم يعد عربياً، لأن الفاعل العربي قادر على الفعل ومرفوع.
وعندما احتار الناس في تفسير الأمر ةوأرادوا حل لغزه توجهوا إلى فقهاء اللغة، سألوهم عن سر الفاعل الذي أصبح مفعولاً به؟
قال سيبويه بلهجة ساخرة: الفاعل في العربية لا يمكن أن يكون مفعولاً به، المفعول به ضعيف دائماً، لأنه المسكين الذي يقع عليه الفعل، ولهذا فهو يأتي منصوباً.
وعندما قلنا لهم أن الفاعل عندنا مجرور، أشاح الفراء بيده ضجراً وقال: ـ الفاعل لا يأتي مجروراً أبداً، إلا في حالة شاذة، وإذا شز لا يجر، ولكن محله فقط هو الذي يصبح مجروراً، عرفنا الفاعل العربي دائماً بأنه مرفوع، يجب أن يكون مرفوعاً، وإلا فلن يكون فاعلاً!!
فما الذي يجر الفاعل عندنا؟
قلنا إن المجتمع تغير، ووسائل الجر لا تعد ولا تحصى، والضغط عليه جرفه فأصبح مجروراً، هذا واقعنا، اعتدنا من فاعلنا أنه مجرور دائماً.
قال: هذا كلام فارغ، فاعل يأتي مجرور دائماً لا يمكن أن يستقيم المعنى.
قال الأخفش غاضباً: آخر زمان فعلاً، الفاعل عندكم في مصر لم يعد فاعلاً.
ثم نظر إلى غاضباً وقال لأصحابه بصوت متوتر: قوموا بنا، هؤلاء لهجتهم غريب، لا هم عرب ولا مصريون.
قال ابن منظور بهدوء ورصانة: صبراً حتى نفهم، هل يمكن أن يصبح الفاعل عاجزاً عن الفعل. أو مجروراً، أو مفعولاً به؟
قلنا له: نعم. اكتشفنا هذا في حياتنا، وحتى الآن نحن عاجزون عن تغييره.
قال أبو الأسود: اسمعوا، سأقول لكم قولاً فصلاً، كل شيء ممكن مادام خارج المنظومة العربية، أنت تتكلمون عربية غير عربيتنا، وهذه ليست لغتنا، وهذا ليس فاعلاً، فاعلكم ليس عربياً.
هل يمكن أن يكون فاعلنا أمريكياً أو أوروبياً أو صهيونياً؟
قال سيبويه: الفاعل لا يمكن الحكم عليه إلا من فعله، فإذا لم يكن له فعل، فيمكن أن يكون أي شيء آخر ولو تحلى بهمزة مزورة، ولكنه لا يمكن أن يوصف بأنه فاعل.
قال الأخفش: وهو ينتفض واقفاً: باختصار الفاعل عندنا هو الذي يصنع الأفعال، فإذا فقد القدرة على الفعل فهو ليس بفاعل، سموه أي شيء آخر غير الفاعل، سموه مهرجاً، أو دمية، أو يمكن أن يوصف بتعبير العامة عندكم قرطاس لب.
إذا كان فاعلنا قرطاس لب، فلا حاضر ولا مستقبل، ونحن في العراء، أو خارج دائرة الحياة والزمن، ولن تجدينا الحسرة على الفاعل المفقود الذي كان يصنع الفعل، في زمن المنظومة العربية.