الأحد، ٢٨ ديسمبر ٢٠٠٨

الحسابات الخاسرة

الحسابات الخاسرة
عندما اختار الشعب الفلسطيني حماس في انتخابات حرة نزيهة شهد لها العالم أجمع، صدمت السلطات العربية لأنها وعت أن التغيير الحاصل بالانتخابات لا يعني مجرد تداول للسلطة بين حزبين سياسيين، ولكنه خيار شعبي للمقاومة ورفض الاستسلام بالواقع الذي أفرزه الضعف العربي، والشتات الفلسطيني، وانهيار فصائل المقاومة القومية المتعددة، وتجرع سم خيار السلام المزعوم. عندها راهن الذين خسروا أنفسهم على تغير حماس، وأن تعاطي السياسة من موقع السلطة يختلف كثيراً عن ممارستها من خندق المقاومة، وخاب ظنهم. رفضت السلطة الفلسطينية المشاركة في الحكومة، وحاربتها منذ اللحظة الأولى لتعويق عملها المستحق شرعياً في إدارة شئون الشعب الفلسطيني، والعمل على إفشالها، ولكنها صبرت ونجحت، وتجاوزت التصريحات والمواقف الغبية. لم يعد أمام السلطة الفلسطينية وداعميها الذين أفقدهم صمود حماس ونجاحها في إدارة شؤون الفلسطينيين، رغم المؤامرات التي كان يحيكها الدحلانيين كل يوم في الشارع الفلسطيني، إلا استخدام القوة، بسلاح صهيوني، وشرعية عربية، لكنها خسرت غزة، وخرجت مدانة لتمارس القهر على شعب الضفة المقاوم. فرضوا على غزة الحصار القاسي، فأغلقوا المعابر، وقطعوا شرايين الحياة، وشاهد العالم أجمع عقاباً جماعياً للفلسطينيين، شاركت فيه مصر بنصيب مساو تماماً لنصيب الصهاينة والسلطة الفلسطينية، وعاش الشعب الفلسطيني في الظلام على الكفاف، وصمد أمام نقص حاجاته الأساسية. حاولوا جر حماس للمفاوضات، والمصطلح عندهم يعني التنازلات وتغيير التوجه، يعني المداهنة وتحويل القبلة، فأبت حماس واعتذرت بأدب جم للسلطات العربية التي تعمل على تركيعها للصهاينة تحت مسميات وطنية براقة. لم يكن أمام الجميع سوى تكسير العظام، ضرب غزة بقسوة لتركع وتستسلم. ليفني في القاهرة في اليوم السابق على الضرب، والتحليل السياسي يربط بين الزيارة والجريمة. تصريحات يهودية تفيد علم بعض القادة العرب بالهجوم على غزة، صادقة أم كاذبة الواقع المؤسف واحد. السلطات العربية تريد تسوية القضية الفلسطينية. السلطات العربية تريد إرضاء الصهاينة والأمريكان. السلطات العربية عاجزة عن التحرك ولو على استحياء لدعم المقاومة. السلطات العربية أعلنت السلام خياراً استراتيجياً ويجب كسر شوكة حماس وتطويعها لهذا الخيار الذي تعجز هي عن سواه. ضربت غزة في (عز الضهر)، ونقلت الكاميرات الضرب الحي، وشاهد كل من له عينين الأشلاء والدماء، رجفة الأطفال هلعاً من قصف ب16 والأباتشي، القتلى والجرحى وهم يحملون بالأيدي وعلى ألواح الصاج، شاهدوا مذبحة مروعة صدمت مشاعر الإنسانية جمعاء. انتظر الصهاينة والسلطات العربية بشغف وتشفي لحظة خروج إسماعيل هنية على شاشة التلفزيون ممسكاً بيد راية بيضاء، وفي الأخرى منديلاً يكفكف به دموع الندم، ويعلن آسفاً أنه أخطأ وأنهم نادمون، وأنهم سيقفون في طابور طويل ليسلموا أسلحتهم، ويفجروا صواريخهم بأيديهم، ويعلنوا توبتهم عن مخالفة الصهاينة المغتصبون، والسلطات العربية الحكيمة. ولكن ذلك لم يحدث. إن الصهاينة ومن وراءهم، والسلطات العربية وأبواقها لم تفهم بعد، ولن تفهم أبداً إلا بعد فوات الأوان. حساباتهم خاسرة. هناك متغير رئيس في الواقع الآن لن يستطيعوا جميعاً تجاهله. حماس ليست مجرد فصيل مقاوم، ولكنها عقيدة تجذرت في القلوب، وخيار للدنيا على الآخرة، وقرار بالحياة الكريمة أو الموت الكريم. لم يقرا الأغبياء هذا في إصرار الجرحى وهم يرفعون أصابعهم بعلامة التوحيد، ولا في كلمات الأمهات الثكالى والأرامل، ولا في الحركة الدءوب في الشارع الفلسطيني تحت القصف،ولا على وجه إسماعيل هنية وهو يلقي بيانه للعالم أجمع في عزة وشموخ. الهجمات الوحشية كافية لإسقاط السلطات الحاكمة، والدكتاتوريات المعزولة عن شعوبها، ولكنها تعجز عن كسر إرادة الشعوب الحية، والشعب المحاصر في غزة يعيش حراً أبياً رغم أنف محاصريه عرباً وعجماً على السواء، وهو في رباط إلى يوم القيامة. الدماء الأبية المراقة لن تضيع هباءً، فكما أحيت القضية الفلسطينية بانتفاضاتها وشهدائها، أحيت الأمة الإسلامية، وأعادت القضية الفلسطينية إلى المربع الأول والصحيح. إنها قضية شعوب وليست قضية سلطات حاكمة. لم يقرا الأغبياء أن دفاع العقيدة يختلف تماماً عن دفاع الوطنية المجرد، والقومية الأجوف، والمذهبية القاصرة. لقد منحت حماس العالم أجمع الفرصة ليروا حقيقة الجهاد في سبيل الله، وروعة العقيدة في صياغة الرجال والنساء والأطفال، والصموالإسلامي أمام القهر والجبروت الجاهلي. هذه حقيقة غابت عن وعي العالم منذ عام 48، باستثناء ومضتها في العاشر من رمضان قبل أن يطفؤها الاستسلام المخزي. لم يقرا الأغبياء أن الأمة الإسلامية حبلى بواقع كريم تعلن عنه شعوبها المقهورة، وأن وقف القدر الإلهي محال على المخلوقين، وأن كل دفقة دم من شهيد تصب في شرايين الأمة، لأن هذه الدماء دماء حياة، لا دماء ممات. إن مذبحة غزة اليوم إعلان بمرحلة جديدة في صراع الأمة مع الصهاينة، جولة جديدة يتراجع فيها الخاسرون، ويتقدم خلالها المجاهدون، وتحسم فيها موازين القوى على الساحة الفلسطينية والإقليمية.
أحمدي قاسم محمد
عضو اللجنة التنفيذية العليا لحزب العمل


هناك تعليقان (٢):

Unknown يقول...

بارك الله فيك استاذنا الفاضل
ان هؤلاء الخاسرون ليس لديهم عقول تتقن الحسابات وتعقلها .
ولكن لديهم بطون اتخمتها اموال الشعوب ولديهم اعين لا تري سوى عروشهم المحرمة و
أسرتهم العفنة
نحن لفظناهم من عشرات السنين ولكنهم داء عضال , اللهم اشف المسلمين منهم

أحمدى قاسم محمد يقول...

صدقت أخي حجاج، وأذكرك بقول الله تعالى" فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور"
والطغاة يمشون إلى مصارعهم وعم مفتوحي العيون إلى أقصى حدقاتها.
انتصار غزة بدأ من اليوم الأثنين.