الاثنين، ٢٩ ديسمبر ٢٠٠٨

الأقنعة والوجوه الصهيونية

الأقنعة والوجوه الصهيونية

الإحساس العام بالخزي والمهانة مرر حلوق المصريين، ليست هذه هي مصر الأزهر، ولا مصر القوة العسكرية المؤثرة إقليمياً وعالمياً، ولا مصر القوة البشرية الهائلة والفاعلة في كافة المجالات. قاتل الله من أهان مصر وشعبها، وقهره إلى خلفية الصفوف محبطاً حزيناً، وعطل طاقاتها وقدراتها، ونهب وبدد ثرواتها. المذبحة الجارية على مدار الساعة فوق أرض غزة أسقطت الأقنعة لتسفر عن وجوه ممسوخة بلون صهيوني أزرق، وأزاحت الستار عن القِبلة الحقيقية للسلطات العربية ومستهدفاتها. صورايخ وأقنعة إن الصواريخ التي سقطت على غزة كانت كافية لفضح السياسة المصرية وتواطئها مع العدوان الصهيوني الأثيم على غزة الفلسطينية. فالسلطة المصرية كانت تعلم، بل وأشك أنها طلبت الإسراع بضرب حماس لتحقق أهدافاً عدة منها، كسر حماس وتطويعها للدخول في المبادرة العربية للسلام، وهو ما يعني إلقاء سلاح المقاومة والاعتراف بإسرائيل، لتتحول حماس إلى سلطة فلسطينية موازية لرام الله وتابعة لها. والسلطة المصرية موقفها واضح من حماس منذ نتيجة الانتخابات، بل وقبلها، فهي التي طلبت تأخير الانتخابات الفلسطينية إلى ما بعد انتخابات التشريعية في مصر 2005، حتى لا تدعم نتيجتها المتوقعة لصالح حماس الإخوان المسلمون في مصر. والتصريحات الاستفزازية والعدائية خاصة من وزير الخارجية المصري، وآخرها (إن مصر في انتظار عبور الجرحى الفلسطينيين إلي الجانب المصري من معبر رفح‏,‏ ولكن لا يسمح لهم بالعبور!!!) الأهرام28/12/2008 وقد سود الله وجهه ببيان وزارة الصحة الفلسطينيين الصادر اليوم 29/15/2008 والمعنون ب(بعد أن خدعت الجميع وأبدت استعدادها لاستقبالهم السلطات المصرية ترجع الحالات الحرجة من جرحى المحرقة وتمنع إدخالهم إلى مصر. وأبو الغيط هذا هو الذي قالت ليفني أمامه وعلى ضفاف النيل عن حماس(إينف. إينف . إينف) وعلق بابتسامة بلهاء، ثم أمسك يدها بشياكة وساعدها على السير النزول. ومنها وقف تنامي قوة الإخوان المسلمين في الداخل المصري، وتعويق حركتهم الإصلاحية، وهو ما اعتبرته الحكومة المصرية هدفاً رئيسياً يستحق تغيير الدستور، وسن القوانين، ونصب المحاكمات العسكرية للمدنيين، وتجييش الشرطة وتسخيرها لتجريد الحملات العسكرية على الآمنين في المنازل والشوارع. والسقوط السلطوي المصري تجلى في عدة مظاهر فجة منها: ـ الصمت على الجريمة الشنعاء، بل وتحميلها مسئولية المذبحة لأنها لم تسمع النصيحة ـ على حد تعبير أبو الغيط ـ فض الله فوه ـ ولم نسمع للرئيس مبارك ولا لولده النجيب تصريحاً واحداً عن الجريمة، خاصة وأن الجناة أصدقاءه وعلى رأسهم أولمرت الذي قال عنه في حواره الأخير لصحيفة يدعوت أحرنوت الصهيونية: (.... وكان دائما عند كلمته وإذا قال كلمة ينفذها، وهذا ما أتوقعه دائما من القادة الإسرائيليين، عندما يعطونني وعدا يلتزموا به ..) ـ غلق معبر رفح قبل العدوان وبعده وحتى الآن، وهو جريمة بكل المعايير، ويعجز الشيطان ذاته عن تبريرها. أطباء الإغاثة وشاحناتهم أما المعبر عقب العدوان مباشر، حمولة الطائرتين القطريتين على الأرض مطار العريش في نفس اليوم، سيارات الإغاثة التي جهزها المصريون من أموالهم احتجزتها قوات الأمن المصرية عند كوبري السلام ومنعتها من المرور تجاه العريش، ضوعفت قوات الأمن المصرية ونصبت مدافعها في وجه القادمين من الجهة الفلسطينية. وادعت مصر أنها تنسق مع الفلسطينيين، ولم تنسق، ماطلت طوال أربعة وعشرين ساعة تقريباً في انتظار مبرر للغلق حتى جاء القصف الصهيوني للمعبر والأنفاق، وظنته الحكومة المصرية عذراً يبيض وجهها الذي احترق خزياً وعاراً. ـ قرد سيده أما الإعلام المصري فهو المسخ اللاهي وقت الجد، والقرد اللاعب بأمر سيده، جاهز لتبرير كل شئ، ومهاجمة أي شئ، وقول كل شئ. تنصب الكاميرات ويستدعى الكذبة والأفاقون بعد أن يشدوا أربطة عنقهم بعناية، ويلبسوا مسوح العلم والحكمة، ليخلطوا الأوراق ويلبسوا المعطيات، ويكافحوا لتغييم الحقيقة. اعتدنا عليهم في التشويش على قضايانا الداخلية، وأوجعتنا كلماتهم وسخريتهم، بلاء نتعامل معه بصبر وسعة صدر، ولكننا لن نقبل أن يسلط هذا المسخ بقنواته التي تمول من دماء شعبنا بطعن طليعتنا المقاتلة في غزة، والتواطؤ مع أعدائنا على أبنائنا وإخواننا في فلسطين. حتى مساء الأحد الدامي كانت القنوات المصرية جميعاً ـ الأرضية والفضائية تبث برامجها التافهة التي اعتادت عليها وكأن شيئاً لا يجري على على بوابتنا الشرقية، تجاهل متعمد يصنف في خانة الخيانة الوطنية وفق الدستور المصري (والشعب المصري جزء من الأمة العربية) المادة (1) الباب الأول. ثم جاء دور الجوقة التي احترفت تبرير السلوك الحكومي وتزيين الخطأ الحكومي، وتحويل الكوارث إلى انتصارات ومكاسب، وإضفاء الحكمة والعقلانية على قرارات السلطة ومواقفها. أين الشيخ ولسانه أحزنني أن يكون من بين الذين استغشوا ثيابهم وغطوا رؤسهم، شيخ الأزهر الشريف الذي لم نسمع له صوت، ولم ينطلق لسانه الذي اعتاد الانطلاق والتفلت بتصريح عما يجري في غزة، أم أنه لم يعلم أيضاً ما يجري في غزة؟! أقول هذا وأنا في غاية الألم ـ خاصة أنني أزهري شرعي وأعلم قيمة الأزهر ومكانته ـ. أقول هذا لأنني كنت أرجو أن يخرج شيخ الأزهر لفتح معبر رفح، لو فعلها لرأى مصر جميعها وراءه، ولعلم يقيناً مكانة الأزهر وعلماءه في نفوس الناس. ماذا لو فعلها حقاً؟ فعلها سلطان العلماء العز بن عبد السلام، خرج من القاهرة بعد فتوى لم تعجب الحاكم المملوكي، فخرج أهل القاهرة وراءه ولم يعودوا حتى عاد بعد إن استرضاه المماليك ونزلوا على حكمه الذي كان خاص بهم، وقاس على نفوسهم. لا وجه للمقارنة. أوان الشعب لن يوقف الصهاينة إلا تحرك الشعب المصري، حركة تجبر السلطة المصرية على تغيير مواقفها، ويرهب الصهاينة على التراجع حتى لا يهيج المارد المخدر ويقلب الطاولة على السلطة الحاكمة في مصر. إن الحركة الشعبية في مصر اليوم هي الغائب الحاسم الذي يخشون حراكه قبل استسلام حماس، ولهذا تحث السلطات العربية المتواطئة الصهاينة على سرعة إنجاز مهمتهم بتقويضها وتغيير الواقع فوق الأرض حسب تعبير ليفني. إن الحركة الشعبية المصرية اليوم هي أمل حماس الذي تنتظره بشوق لوقف نزيف الدم والدمار الشامل لتركيعها وإذلالها. إن الحركة الشعبية المصرية اليوم هي وحدها القادة على وقف الزحف البري الصهيوني الغاشم على غزة، وأعلن العدو الصهيوني بدايته بعد ساعات. إن الحركة الشعبية المصرية اليوم هي المخرج من محنة الاستضعاف التي طال أمدها، وأخرجتنا من دائرة الفعل ومكانتنا في قلب الأمة العربية والإسلامية. اللهم إنا نبرأ إليك من مواقف حكومتنا المخزية.

الأحد، ٢٨ ديسمبر ٢٠٠٨

الحسابات الخاسرة

الحسابات الخاسرة
عندما اختار الشعب الفلسطيني حماس في انتخابات حرة نزيهة شهد لها العالم أجمع، صدمت السلطات العربية لأنها وعت أن التغيير الحاصل بالانتخابات لا يعني مجرد تداول للسلطة بين حزبين سياسيين، ولكنه خيار شعبي للمقاومة ورفض الاستسلام بالواقع الذي أفرزه الضعف العربي، والشتات الفلسطيني، وانهيار فصائل المقاومة القومية المتعددة، وتجرع سم خيار السلام المزعوم. عندها راهن الذين خسروا أنفسهم على تغير حماس، وأن تعاطي السياسة من موقع السلطة يختلف كثيراً عن ممارستها من خندق المقاومة، وخاب ظنهم. رفضت السلطة الفلسطينية المشاركة في الحكومة، وحاربتها منذ اللحظة الأولى لتعويق عملها المستحق شرعياً في إدارة شئون الشعب الفلسطيني، والعمل على إفشالها، ولكنها صبرت ونجحت، وتجاوزت التصريحات والمواقف الغبية. لم يعد أمام السلطة الفلسطينية وداعميها الذين أفقدهم صمود حماس ونجاحها في إدارة شؤون الفلسطينيين، رغم المؤامرات التي كان يحيكها الدحلانيين كل يوم في الشارع الفلسطيني، إلا استخدام القوة، بسلاح صهيوني، وشرعية عربية، لكنها خسرت غزة، وخرجت مدانة لتمارس القهر على شعب الضفة المقاوم. فرضوا على غزة الحصار القاسي، فأغلقوا المعابر، وقطعوا شرايين الحياة، وشاهد العالم أجمع عقاباً جماعياً للفلسطينيين، شاركت فيه مصر بنصيب مساو تماماً لنصيب الصهاينة والسلطة الفلسطينية، وعاش الشعب الفلسطيني في الظلام على الكفاف، وصمد أمام نقص حاجاته الأساسية. حاولوا جر حماس للمفاوضات، والمصطلح عندهم يعني التنازلات وتغيير التوجه، يعني المداهنة وتحويل القبلة، فأبت حماس واعتذرت بأدب جم للسلطات العربية التي تعمل على تركيعها للصهاينة تحت مسميات وطنية براقة. لم يكن أمام الجميع سوى تكسير العظام، ضرب غزة بقسوة لتركع وتستسلم. ليفني في القاهرة في اليوم السابق على الضرب، والتحليل السياسي يربط بين الزيارة والجريمة. تصريحات يهودية تفيد علم بعض القادة العرب بالهجوم على غزة، صادقة أم كاذبة الواقع المؤسف واحد. السلطات العربية تريد تسوية القضية الفلسطينية. السلطات العربية تريد إرضاء الصهاينة والأمريكان. السلطات العربية عاجزة عن التحرك ولو على استحياء لدعم المقاومة. السلطات العربية أعلنت السلام خياراً استراتيجياً ويجب كسر شوكة حماس وتطويعها لهذا الخيار الذي تعجز هي عن سواه. ضربت غزة في (عز الضهر)، ونقلت الكاميرات الضرب الحي، وشاهد كل من له عينين الأشلاء والدماء، رجفة الأطفال هلعاً من قصف ب16 والأباتشي، القتلى والجرحى وهم يحملون بالأيدي وعلى ألواح الصاج، شاهدوا مذبحة مروعة صدمت مشاعر الإنسانية جمعاء. انتظر الصهاينة والسلطات العربية بشغف وتشفي لحظة خروج إسماعيل هنية على شاشة التلفزيون ممسكاً بيد راية بيضاء، وفي الأخرى منديلاً يكفكف به دموع الندم، ويعلن آسفاً أنه أخطأ وأنهم نادمون، وأنهم سيقفون في طابور طويل ليسلموا أسلحتهم، ويفجروا صواريخهم بأيديهم، ويعلنوا توبتهم عن مخالفة الصهاينة المغتصبون، والسلطات العربية الحكيمة. ولكن ذلك لم يحدث. إن الصهاينة ومن وراءهم، والسلطات العربية وأبواقها لم تفهم بعد، ولن تفهم أبداً إلا بعد فوات الأوان. حساباتهم خاسرة. هناك متغير رئيس في الواقع الآن لن يستطيعوا جميعاً تجاهله. حماس ليست مجرد فصيل مقاوم، ولكنها عقيدة تجذرت في القلوب، وخيار للدنيا على الآخرة، وقرار بالحياة الكريمة أو الموت الكريم. لم يقرا الأغبياء هذا في إصرار الجرحى وهم يرفعون أصابعهم بعلامة التوحيد، ولا في كلمات الأمهات الثكالى والأرامل، ولا في الحركة الدءوب في الشارع الفلسطيني تحت القصف،ولا على وجه إسماعيل هنية وهو يلقي بيانه للعالم أجمع في عزة وشموخ. الهجمات الوحشية كافية لإسقاط السلطات الحاكمة، والدكتاتوريات المعزولة عن شعوبها، ولكنها تعجز عن كسر إرادة الشعوب الحية، والشعب المحاصر في غزة يعيش حراً أبياً رغم أنف محاصريه عرباً وعجماً على السواء، وهو في رباط إلى يوم القيامة. الدماء الأبية المراقة لن تضيع هباءً، فكما أحيت القضية الفلسطينية بانتفاضاتها وشهدائها، أحيت الأمة الإسلامية، وأعادت القضية الفلسطينية إلى المربع الأول والصحيح. إنها قضية شعوب وليست قضية سلطات حاكمة. لم يقرا الأغبياء أن دفاع العقيدة يختلف تماماً عن دفاع الوطنية المجرد، والقومية الأجوف، والمذهبية القاصرة. لقد منحت حماس العالم أجمع الفرصة ليروا حقيقة الجهاد في سبيل الله، وروعة العقيدة في صياغة الرجال والنساء والأطفال، والصموالإسلامي أمام القهر والجبروت الجاهلي. هذه حقيقة غابت عن وعي العالم منذ عام 48، باستثناء ومضتها في العاشر من رمضان قبل أن يطفؤها الاستسلام المخزي. لم يقرا الأغبياء أن الأمة الإسلامية حبلى بواقع كريم تعلن عنه شعوبها المقهورة، وأن وقف القدر الإلهي محال على المخلوقين، وأن كل دفقة دم من شهيد تصب في شرايين الأمة، لأن هذه الدماء دماء حياة، لا دماء ممات. إن مذبحة غزة اليوم إعلان بمرحلة جديدة في صراع الأمة مع الصهاينة، جولة جديدة يتراجع فيها الخاسرون، ويتقدم خلالها المجاهدون، وتحسم فيها موازين القوى على الساحة الفلسطينية والإقليمية.
أحمدي قاسم محمد
عضو اللجنة التنفيذية العليا لحزب العمل


الأحد، ١٤ ديسمبر ٢٠٠٨

قراءة في الواقع الفلسطيني


نشر هذا المقال لي علي موقع حزب العمل و شبكة اخباريات

مستجدات الواقع الفلسطيني كثيرة ومتتابعة، ومثيرة إلى حد الاندهاش والصدمة، وتأتي تلك المستجدات كرعد مفزع ينذر بسماء حبلى أوشكت على المخاض.
فعلى الأرض المباركة مازال الصراخ الإعلامي داوياً بين طرفي النزاع ـ حماس وفتح ـ المتناقضين في العقيدة السياسية، والنهج النضالي إذا جاز التعبير على السواء وكأنهما فرسان في مضمارين متوازيين يستحيل التقاءهما عند نقطة ولو في نهاية الأفق.
ففتح تعلن شرعيتها في الوقت الذي تنفيه عن حماس، بل وتوصف حكومتها التي انتخبها الشعب الفلسطيني في أوائل العام الماضي بالمقالة، وتتهمها بالانقلاب على الشرعية الفلسطينية.
هذا في حين تعتبر حماس أن ممارسات قيادات السلطة الفلسطينية وخطها القيادي للشعب الفلسطيني يمثل خطراً على القضية الفلسطينية، وتضييع لثوابتها، وإهدار للحقوق الفلسطينية، فضلاً عن قناعتها بأن القضية الفلسطينية، تخص العرب والمسلمين جميعاً وليست خاصة بالفلسطينيين وحدهم، وتعلل تفردها بالحكم في غزة بالفعل الاضطراري الذي جاء كدفاع وحيد عن النفس لدفع الممارسات الطغيانية عن الشعب الفلسطيني في غزة، وإجهاض استئصالها الذي تدعي أنها تملك الوثائق الدامغة على حقيقته.
والواقع على الأرض أيضاً يحمل نفس التناقض.
فغزة محاصرة فوق الأرض بغلق جميع المعابر، ولا يسمح إلا بالضرورات التي تكاد تحفظ الحياة، فليس الحصار لمنع السلاح فحسب، ولكن لمنع كافة شرايين الحياة حتى تلك التي يحفرونها تحت الأرض يفجرونها فوق رءوسهم ولا يبالوا.
أما في الجانب الآخر فالسلطة الفلسطينية مدعومة مادياً ومعنوياً، فلم يجد قادتها حرج في التصريح بهواجسهم من تأثير الأزمة المالية العالمية على الدعم الأوروأميركي الذي يصب في أرصدتهم بسخاء، والذي تجاوز الاثني عشر ملياراً خلال اثنتي عشرة سنة.
(بلغت المساعدات الدولية منذ عام 1994 م وحتى العام الحالي، للسلطة الفلسطينية 12،505،933،358 دولاراً وذلك بحسب تقريرأصدره المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار (بكدار)، بناءً على دراسةأجراها لمصادر الدعم الخارجي خلال هذه الفترة وتناولت بعديها الكميّوالنوعيّ)[1]
أما الأسلحة فتأتيهم عبر الأردن في أرتال الشاحنات تحت سمع وبصر الجميع، ويدرب الأمريكيون جيش السلطة في معسكرات خاصة بها أيضاً.
أما هنا في القاهرة فطاولة المفاوضات أعدت ليجلس إليها الفرقاء، مع إصرار مصري على التوصل إلى حل نهائي للصراع السلطوي الحماسي، بلغ درجة الإعلان عن مهلة خمسة عشر يوماً للطرفين، وإلا فستضطر راعية المفاوضات ـ مصر ـ لفرض حل على الطرفين.
أما الواقع الإسرائيلي فهو لا يقل غرابة أيضاً، فالحكومة الفلسطينية تستحث المغتصبين في الضفة الغربية للرحيل، وتحفزهم بتعويضات مالية مغرية. في ذات الوقت الذي تسمح فيه لقوات فلسطينية دربها الأمريكيون في الأردن بدخول الضفة على دفعتين حتى الآن ـ الأولى خمسمائة جندي والثانية سبعمائة ـ وهي الآن تقوم بوظيفة حفظ الأمن في الأماكن التي تسلمتها من إسرائيل ـ الخليل ـ.
هذا بالإضافة إلى العمل المحموم في بناء الجدار العازل وإنجازه في أسرع وقت ممكن.
ماذا تعني كل هذه المعطيات؟
هل ستنسحب إسرائيل من الضفة الغربية؟
الإجابة التي يراها الكثير من المحللين إيجابية.
نعم جميع الشواهد والتحركات الأخيرة من إسرائيل والسلطات العربية الفاعلة علناً في القضية الفلسطينية تؤكد أن إسرائيل تستعد للفرار من الضفة الغربية والاحتماء خلف الجدار العازل كحدود إسرائيلية آمنة مؤقتاً لتجاوز المقاومة الفلسطينية التي فاجأتها وألزمتها تغيير سياستها التوسعية وإرجاء تحقيق إسرائيل الكبرى إلى فرصة لاحقة تمنحها إياها المتغيرات السياسية في الشرق الأوسط.
ومن هذه الشواهد.
ــ تصريح أيهود أولمرت رئيس الحكومة الإسرائيلية بأن إسرائيل الكبرى أصبحت وهماً، وزمن الاعتقاد فيها ولى بلا عودة.
(فكرة أرض إسرائيل الكاملة والمتكاملة قد ولت ومن يتحدث عنها يوهم نفسه)[2] وهو تصريح مثير يمثل صدمة قوية أخلت بتوازن أولئك الذين يعتقدون أن الاحتلال الإسرائيلي قدر لا فكاك منه، وعلى العقلاء التعامل معه كواقع لا يمكن تغييره، ومعالجة الأمر بأقل خسائر ممكنة، ودفع الشر الإسرائيلي بقدر المستطاع والمستطاع قليل.
والقراءة الإسرائيلية لمعطيات الواقع تؤكد أنهم يفهمون الحقيقة ويعون تداعياتها، في حين أن الآخرينفي السلطات العربية ـ يخافون من فهم ذات المعطيات، أو لا يملكون الجرأة على القبول بها لأنها تهدم منطلقاتهم وتحرك ثوابتهم التي أسسوا توجهاتهم عليها.
لهذا نجد أولمرت يذهب إلى أبعد مما يتخيل العرب حين يعلن في ذات التصريح أن الوقت ليس في صالح إسرائيل.
(الوقت لا يصب في مصلحة إسرائيل وأن النقاش حول تعويض الراغبين في مغادرة المستوطنات يأتي في التوقيت المناسب)[3]
ــ دعوة الحكومة الإسرائيلية المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية إلى ترك منازلهم والتحول إلى داخل الجدار العازل وتعويضهم بمبالغ مادية رصدتها الحكومة للتعويض.
(ومن جانبه قال النائب الأول لرئيس الوزراء الإسرائيلي حاييم رامون انه بموجب هذه الخطة سيتسلم كل مستوطن يوافق على ترك منزله مبلغ مليون ومائة ألف شيكل.
وأضاف أن الحجم الإجمالي لوضع هذه الخطة موضع التنفيذ يقدر بمليارين وستمائة مليون شيكل.
وذكر راديو إسرائيل انه يستدل من الخطة التي عرضها النائب الأول لرئيس الوزراء الإسرائيلي أن 18 بالمائة من المستوطنين مستعدون للتخلي عن منازلهم لقاء تعويض مالي)
[4]
فبماذا نفسر هذه الخطة الإسرائيلية غير أنها انحسار وتراجع إسرائيلي وشيك للاحتماء خلف الجدار العازل، بعد فشلها في القضاء على المقاومة الفلسطينية ومواجهتها، وإتاحة الفرصة لغيرها ليقوم بهذا الدور القذر الذي عجزت عنه.

يمكن قرأة باقي المقال علي

موقع حزب العمل

موقع شبكة اخباريات