الجمعة، ٢٦ فبراير ٢٠١٠

جدار المهزومين وصراع الإرادة

جدار المهزومين وصراع الإرادة
الجدار الذي تغرسه الحكومة المصرية في باطن الأرض على طول الحدود مع غزة بعمق ثلاثين متراً، ويسمونه يالجدار الفولاذي، لا يعبر عن قوة مصر، ولا يعبر عن قوة حلفاء سلطتها الأمريكان والصهاينة، ولكنه يعلن بفصاحة مثيرة عن عجزهم أمام قطاع غزة، فالصراع ليس على معبر، ولا على حفر نفق، ولكنه صراع إرادات.
في الناحية المظلمة إرادة الصهاينة ومن ورائهم الأمريكان والاتحاد الأوروبي.
إرادة الصهاينة العرب الذين اخضعوا شعوبهم وأخرجوها قسراً من دائرة الفعل والمشاركة، والتقوا مع أعداءهم في العراء بلا ظلال ولا أقنعة.
أما في جانب النور والإشراق، إرادة شعب غزة الذي اختار المقاومة.
هذه هي الحقيقة المجردة، أو هذه هي اللعبة القذرة التي يمارسها أعداء الأمة هنا وهناك.
بدأت مؤامرات الصهاينة العرب على خيار المقاومة بانقلاب عسكري مباغت للقبض على قوة حماس بليل، والطغاة لا يعدمون المبررات، والعالم الغربي سيتفهم حتماً دوافعهم، بل إنه الدافع الحقيقي وراء الفعل السلطوي الغادر.
فلما أحبط الله مكرهم وفروا مذعورين إلى الضفة، ولول الصهاينة العرب وزعموا انقلاباً على الشرعية، وهم الذين كانوا يعلمون بمؤامرة الانقلاب على الشرعية التي تحيكها السلطة الفلسطينية، وإذا افترضنا حسن النية، فقد علموا بعدها، وعلموا يقيناً ما هو أسوأ منها، كمخاطر السلطة الفلسطينية على دول عربية في مقدمتها مصر.
وقدمت حماس وثائق التآمر، طلبت إجراء تحقيق عربي، فلعق الصهاينة العرب خزيهم، وهزوا أكتافهم، ومروا مرور الضالين الأغبياء، صم بكم عمي فهم لا يعقلون.
ودارت آلة الإعلام الرهيبة لتشويه حماس، وبدأ الحصار عبر الحدود، فغلقت جميع المنافذ، وحرموا حاجاتهم اليومية الإنسانية، فصبروا وأكدوا خيارهم للمقاومة.
أدخلوهم في متاهات المفاوضات، أو المساومات وما يمارسونه من ضغوط بالترهيب والترغيب، أو العصا والجزرة، ولكنهم صدموا بصلابة الرجال، ووعيهم لألاعيب الثعالب، وإدراكهم لمرامي الذئاب.
فلما عجزوا عن مجاراة الرجال، وثبت لهم يقيناً أنهم نوع لا يعرفونه من رجال العقيدة الذين باعوا أنفسهم لله، ولا تشغل الدنيا في قلوبهم مثقال ذرة، وأنهم صادقون قلوباً وألسنة، انتقلوا إلى مرحلة النار، فتحركت الآلة العسكرية الصهيونية لتذيق غزة ويلات القصف بألوان القذائف والفوسفور الأحمر تحت سمع وبصر العالم، وانتظر الصهاينة العرب بشغف لحظة الاستسلام، وأعدوا طلائعهم المتعطشة لدماء المجاهدين، ولكن الله أبى فارتدوا على أعقابهم خاسرين.
وتواصل الحصار الظالم، أو جهد العاجز الذي فضحته المقاومة، وأذله صمودها، وكاد عقله يطيش من تأثيرها الموقظ للشعوب.
رغم كل هذا ظل المقاوم ثابتاً لا يلين، وقفة مدهشة تهز إنسانيتنا بقوة، إنهم رجال مثلنا ولكن المحنة صاغتهم بقوة أصحاب محمد .
وسمع العالم صوت أطفال غزة ونساءها وهو يعلن خيار المقاومة ويظاهر حماس، وكان علينا أن نحترم خيارهم وإرادتهم، ولكن الصهاينة العرب إزدادوا إصراراً على كسر غزة لصالح الصهاينة.
قديما انتصرت إرادة آبائنا الذين نسلك على دربهم.
انتصرت إرادة بلال على إرادة أمية وأبي ابني خلف، انتصرت إرادة العبد الذي يملكه سيده ولا حيلة له معه، وعجز من كانت له الوجاهة والتملك والقدرة على الفعل.
(وكان بلال مولى أمية بن خلف الجمحي، فكان أمية يضع في عنقه حبلًا، ثم يسلمه إلى الصبيان، يطوفون به في جبال مكة، ويجرونه حتى كان الحبل يؤثر في عنقه، وهو يقول: أحَدٌ أحَدٌ، وكان أمية يشده شدًا ثم يضربه بالعصا، و يلجئه إلى الجلوس في حر الشمس، كما كان يكرهه على الجوع. وأشد من ذلك كله أنه كان يخرجه إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في الرمضاء في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول: لا والله لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد، وتعبد اللات والعزى، فيقول وهو في ذلك: أحد أحد، ويقول: لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها.
ومر به أبو بكر يوما وهم يصنعون ذلك به فاشتراه بغلام أسود، وقيل: بسبع أواق أو بخمس من الفضة، وأعتقه)
وانكسرت إرادة عمر يوم كان مشركة، أمام أمة فقيرة يملكها قومه بني عدى، وظل يعذبها حتى مل منها، وهي قوية صابرة تتحدى قسوة وغلظة عمر.
(ورووا أن أبا بكر مر بجارية لبني عدي بن كعب، وعمر بن الخطاب ـ قبل إسلامه ـ يعذبها على جمر الصخور الملتهبة بالقيظ ليفتنها عن دينها فما زال يضربها حتى ملَّ فكف عنها وهو يقول لها: إني أعتذر إليك فلم أتركك إلا عن ملالة.
وألح أبو بكر على عمر حتى باعه إياها)
صراع الإرادات محسوم مهما بدا للناظرين، لا توجد قوة مادية قادرة على هزيمة العقيدة، ورجال العقيدة يعلمون أنهم فائزون بإحدى الحسنيين، وأنهم يقاومون ليحيوا حياة كريمة في الدنيا، أو عند ربهم يرزقون، ولا ثالث لهما في حساب الرجال.
أما الآخرون فهم خاسرون في الدنيا والآخرة، والتاريخ الذي يتوج أحمد ياسين وأبناءه بتاج الرجولة والكرامة، سيطوق أعناق الصهاينة العرب بأشواك المذلة والمهانة، وسيضعهم مع ابن العلقمي طليعة المغول في بغداد، والمعلم يعقوب نصير الفرنسيين في مصر، ومن على شاكلتهم.
أما غزة فتوقن بأن أول شعاع لضوء النهار سيولد مع نهاية طغيان الليل.
"وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"