الأحد، ٢٣ ديسمبر ٢٠٠٧

الجماعة المحظوظة

الجماعة المحظوظة

دأب كبير الشتامين على وصف الإخوان المسلمين بالجماعة المحظوظة، ويعني بحظوتها أن الحكومة تسمح لها بالعمل في الجامعات، وتتحرك في مصر بدون مواجهة، ويدعي أن الحكومة تضيق على حزبه.
وكبير الشتامين في حقيقته دمية صغيرة تجلس في حجر الحزب الوطني ليوهم بدور المعارضة.
ولأن كبير الشتامين مثل كبير البصاصين وكبير الكذابين، له أهداف عدة من وراء مهامهم القذرة ليس منها الحقيقة، إلا أنني أتفق معه هنا في كون الإخوان المسلمين جماعة محظوظة بحق، وإن اختلفت معه جذرياً في سر حظوتها التي أراها تتمثل في مجموعة من الحقائق منها.
أولاً:
أن الفكرة التي قامت عليها ولها جماعة الإخوان المسلمين عقيدة راسخة في قلوب هذا الشعب، ترقى على التشويش، وتتعالى فوق المكر الذي يكافح لكبتها وإطفاء جذوتها في القلوب، بل العكس هو الصحيح، فالفكرة الإسلامية تتوهج يوماً بعد الآخر في قلب هذا الشعب، وتؤكد هذه الحقيقة كافة المؤشرات والظواهر الاجتماعية، بدءً من الأسماء الإسلامية إلى صناديق الاقتراع، مروراً بالحجاب وساحات المساجد وأعمال البر وحفظ القرآن الكريم.
والجماعة بلا شك محظوظة بهذا المنهج الذي لا يكلف الداعية اللبيب سوى إثارة العاطفة الكامنة، وإحسان مخاطبة العقل.
ثانياً:
رجال الإخوان، أو كتيبتهم العاملة المجاهدة، نوعية تميزت برؤية واضحة للطريق، وعزم ماض لا يتأثر بالعقبات، وغاية سامية منصوبة أمام عيونهم يتغنون بها، وأهداف يضحون في سبيلها بكل غال ونفيس، ووراءهم رصيد من أسلافهم المجاهدين على مدار التاريخ، وأمامهم وعد بالنصر والتمكين يسمو فوق كل شك، لأنه وعد الله، إن الله لا يخلف الميعاد.
وهذه الكتيبة ثمرة تربية الليل والنهار، ومحصلة التجارب المريرة، والتضحيات الجسيمة، وحمل هم الأمة التي تآمر عليها أعداؤها لتغييب وعيها الجماعي، وفصلها عن تاريخها المجيد.
واهم ما يميز هذه الكتيبة المجاهدة أنهم تبايعوا على غاية وأهداف ووسائل ورؤية للتغيير الاجتماعي، ووفق منظومة فكرية محددة البنود يسمونها الأصول العشرين، وعلى علم يقيني بكل ما يدبره لهم أعداءهم، ولسانهم يلهج بكلمات أسلافهم عند وقوع البلاء كما قال تعالى عنهم:
"وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا. مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" الأحزاب(22/23)
فإذا أضيف إلى هذا أنهم متجردون من أي مغنم أو رغبة في متاع دنيوي، زاهدون فيما يتقاتل عليه الناس، يجتهدون في تخليص أنفسهم لله تعالى وحده.
هذا فضلاً عن رباط الأخوة الصادقة، وحميمية الحب في الله، وما يثمرانه من متانة الصف الواحد، وتراحم الجسد الواحد.
فأي جماعة بشرية، أو حزب سياسي يحظى بكتيبة مجاهدة مثلها.
ثالثاً:
من أهم ما تميزت به هذه الجماعة أنها الفئة الوحيدة ذات الكيان والحضور العالمي التي ترفع راية الإسلام في هذه اللحظة التاريخية من عمر الإنسانية.
فهي تقوم بحمل رسالة الله تعالى بكمالها وتمامها، والمناداة بها في الناس كافة، في حين سكت عنها البعض مخافة الأذى، وجزأها البعض بحثاً عن صيغة توافقية ترضي الآخرين، وتنكر لها البعض لينعم بلعاعة من الدنيا.
وحمل رسالة الله في زمن ليس للمسلمين فيه إمام ولا دولة ليس أمراً هيناً، بل عمل شاق، وخيار صعب جسيم التبعات والمخاطر.
لذلك يجب على المتأمل في الحقيقة الإخوانية أن يقف طويلاً أمام صمود هذه الجماعة، أو هؤلاء الرجال، أمام سلسلة المحن والمظالم التي وقعت عليهم، والتي يتوقعونها، بلا ملل أو يأس.
فالجماعة منذ تأسيسها في عام 1928 والراية في يدها لم تنكس، تغيرت الحكومات، وتبدلت نظم الحكم، وتتابع الحكام مدنيون وعسكريون، واندثرت الأحزاب والجماعات والجمعيات والتجمعات البشرية العاملة، وابتلعت القبور الزعماء والساسة والمفكرين والقادة الاجتماعيين، وأفلست النظريات والسياسات الحاكمة، والجماعة تزداد مع الأيام ثباتاً ورسوخاً في الأرض.
رابعاً:
البيئة الاجتماعية القاسية التي ترعرت فيها الجماعة، والتي تكفلت بتوفير الخبرات العملية الثرية، وصقل الرجال، واستنهاض هممهم، وإثارة عزائمهم، ليكونوا على مستوى التحديات والمواقف،
كما أن هذه البيئة كان الأثر الفاعل في نفوس هؤلاء الرجال بداية من خيارهم الصعب بالانطواء تحت رايتها والدخول في بيعتها، نهاية في الصبر على البلاء واحتساب الأذى عند الله تعالى والوقوف بشموخ في صف الشهداء المنتظرين.
ومن أهم ما هيأته هذه البيئة للجماعة، إيجاد تجارب مؤثرة لتمحيص رجالها من حين إلى آخر، ورفع معنوياتهم ودرجة استعدادهم دائماً، وتربية أجيالهم في بكورها على الصلابة والتحمل والابتسام للمحن من خلال ما يقع عليهم من مظالم، وما يعانونه من تجاوزات.
هذه وغيرها تجعلني أعتقد يقيناً بأن الإخوان المسلمون هم بحق الجماعة المحظوظة ، ولكن ليس لأسباب كبير الشتامين.
أحمدي قاسم محمد
عضو مجلس الشعب الشرعى عن دائرة سنورس
سنورس في: الأثنين 5/3/2007

ليست هناك تعليقات: