الجمعة، ٢٨ ديسمبر ٢٠٠٧

قراءة نقدية فى حكاية القشرة واللب

بقلم: عبد الونيس زغلول عبد العزيز

بين يدي الرواية:

رواية صدرت حديثًا بتاريخ 2007م بإهداء إلى أهل سنورس، المكان الذي جعله الأديب مسرحًا للأحداث، فقال في إهدائه:

إلى أهلي ووطني إلى شعب سنورس العظيم، وقفتكم الشجاعة في26/11/2005م تعبير بليغ عن أصالتكم عن عمق الإيمان في قلوبكم.

وذلك لأن الكاتب هو أحد الذين فازوا في انتخابات مجلس الشعب 2005 ثم نالت نتيجتهم الشهادة بعد اكتساح عظيم للخصوم؟! ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154)﴾ (سورة البقرة).



المؤلف أحمدي قاسم محمد، معلم الرياضيات فضل العمل بالتجارة، والاشتغال بالتأليف بعد تداعيات وظروف.

يملك عقلاً متفتحًا وعزيمة فولاذية وثقافة متأدبة نشأت معه أو نشأ معها إن كان عضوًا في بدايات الشباب في فريق المسرح بقصر الثقافة.

له شخصية انبساطية مفكرة حدسية تستطيع تحديد أنماط الناس بسهولة ويسر، لذا فهو يجيد فن التعامل مع الغير فهو حينًا يرسل الدعابة التي تملأ قلوب الناس راحةً وانشراحًا وحينًا تسمع منه زئيرًا حينما يحتاج الأمر إلى رجال تزأر.

ذو فكر حر له ذاتيته وبصمته الخاصة..

من إبداعاته السابقة: لعنة الفراعنة (مسرحية منشورة)

الغلاف والعنوان

الغلاف: الرواية جاءت في 105 صفحات من القطع المتوسط.

لها غلاف أخضر مريح للعين لكن في نصفه الأسفل تقريبًا سهم دائري يبتدئ بدوائر صغيرة متراصة تمثل ذيل السهم يتجه رأسه إلى ناحية الغرب وخلف السهم ظلال واسعة لترس يظهر فيه من بعيد حمامتان وخطوط وأشكال، ورؤوس أسهم أفقية متوالية.

ويبدو أن الأديب يشير بالسهم إلى الشمس الداهية تخدعنا كل صباح تسبح في رحلتها اليومية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.. وقد يقصد بالحمامتين الطيور الحرة أو أصحاب المبادئ فهو يقول الطيور الحرة توقن بأن الله خلقها لتطير، تمارس حقها في الحط والطيران شكر النعمة أن تسبح في ساحة الفضاء الفسيح لا يخدش موقفها السامي سكان جحور الطين ولا قطعان الجرذان.

العنوان: حكاية القشرة واللب

هل يقصد بالقشرة المظهر الخادع لبعض الناس الذين لا يحملون في داخلهم لبابًا أو جواهر يعتمدون على حقيقتها ولا يعيشون بها؟

وهل يقصد باللب هؤلاء الناس الأصلاء الذين حافظوا على الجوهر النفيس الذي عرفوا به والذي لا تغطيه قشرة ساذجة رقيقة فلا عوار عندهم ولا عيب يحتاجون إلى قشرة تخفيه أو طلاء خادع يستره..؟

هل يقصد باللب الفطرة السليمة التي خلقنا الله وجعلنا عليها فكلنا في الحقيقة (آدم عليه السلام) لكن تتغير القشرة والغطاء الخارجي من آدم إلى آدم آخر بحسب عوامل التعرية وقدرة كل آدم منا على التعامل أو التجاوب معها.

استمع إليه يقول على لسان الأستاذ: "كل الآباء الطيبين يظنون أن أبناءهم سيكون لهم شأن عظيم، ولكننا أجيال متناسخة، لا تتغير فينا إلا القشرة، واللب آدم".

واستمع إليه أيضًا يقول: "المحن تفضح مزاعمنا أو تصدقها، وترفع ما يحجز بين اللب وبين القشرة".

أم يقصد بالقشرة ذلك الريف الذي يغطي الحياة السياسية والاجتماعية من صعود الرويبضة (التافه)، ومن ليس له خلاق ولا دين، وتوسيد الأمور إلى غير أهلها، ويقصد باللب أصحاب الحق، والأصلاء الصابرين، استمع إليه على لسان ممدوح.

"نعم نحن على حق، والحق لا يتحول إلى باطل لقلة معتنقيه ونحن لسنا قلة، نحن نمثل أمة، أما هم فليسوا أكثر من فئة تغتصب السلطة وتتاجر بالسياسة وهم مجرد قشرة".
قد يكون كل ما سبق أو غيره هو المقصود بالقشرة واللب.

اتجاه الرواية

نحا الأديب- على حدِّ علمي- نحوًا جديدًا في ورايته هذه، فهو وإن نبعت أفكاره من معين الإسلام الصافي إلا أنه لم يَسِرْ على شكل أو نسق فني معروف أو مطروق؛ فالرواية واقعية من أكثر من زاوية؛ إذ الأحداث والأماكن والأشخاص، كلُّ ذلك يصبُّ في تيار الواقعية، ومن زاوية أخرى تجد الرمز والعلامة.

ويبدو هذا التيار واضحًا من خلال ظلال الشخصيات وخلفيات الألفاظ، (فما فتحية دربالة إلا رمز لهؤلاء الطفيليين الذين تسلقوا أكتاف الناس وسحروا أعينهم واسترهبوهم بسحرهم العظيم، وما الأستاذ إلا رمز لهؤلاء العظماء من شعبنا الذين تمسكوا بأصالتهم وقيمهم، وما محمد رضوان السماك ورزق الرديني إلا رمز لهؤلاء البسطاء الذين ترفض نفوسهم النقية كل زيف فأحبوا أصحاب النقاء، وهؤلاء لا تنطلي عليهم خداع القشور ولا تأسرهم أضواء القصور.

أما عن رمزية اللغة فحدث ولا حرج؛ فلكل كلمة ظلال غالبًا والقارئ الجيد هو من ينظر إلى الكلمات على أنها رموز لها ما وراءها، ولا حرج على الأديب في ذلك.. يقول الدكتور نجيب الكيلاني- رحمه الله-: إن قيد الفنان المسلم يكمن في تصوره الإسلامي، ومعتقداته الراسخة وله بعد ذلك أن يختار الشكل المناسب أو يبتدع شكلاً متطورًا أو جديدًا.

نعود فنقول: إن الرواية أحداثها ولغتها وشخوصها كلها علامات واضحة ورموز لها ما وراءها وهي في نفس الوقت دلالة على ثقافة الأديب الواسعة فعلى طول خط الرواية تجد أسماء لشخصيات وأفكار ومفاهيم معاصرة مثل: مالك بن نبي، أنيس منصور، مصطفى خليل، موسى صبري، عمر التلمساني، حلمي الجزار، عبد المنعم أبو الفتوح، حسن البنا، الحاج عبد العزيز العشري، الاتحاد الاشتراكي وثورة التصحيح.

إن هناك ملمحًا رائعًا هو تداخل الحقيقة والخيال وكأن الأديب قد سار من هذه الزاوية في اتجاه الرواية الجديدة إذ الفواصل بين الحقيقة والوهم قد تهاوت فلا أحد يعرف إن كان هذا حقيقة أو وهمًا.

بل أكاد أجزم بالقول: إن الأديب قد جعل في القارئ روحًا تحول الوهم إلى حقيقة والخيال إلى واقع مشاهد لدرجة أن الإنسان وهو يقرأ شخصيات رواية (حكاية القشرة واللب) يقف عند كل شخصية وهمية مصنوعة متسائلاً: من تكون هذه الشخصية في واقع مدينة سنورس؟ من يكون الأستاذ؟ ومن ممدوح؟ هل ممدوح من الشخصيات الإخوانية فعلاً من سنورس؟ ومن رزق الرديني؟ ومن ومَن ومن؟؟؟ إن الأديب بذلك استطاع أن يضيف صراعًا جديدًا داخل البنية المعرفية لعقول قرَّائه وخاصةً القريب من موقع الأحداث.

الصراع

تأسست الرواية على صراعات متعددة:

صراع رئيس يسير وينمو مع الأحداث وهو صراع الأصالة (اللب) مع الزيف والخروج عن القيم (القشرة) وهو صراع يمثل صراع القيم الراسخة الأصيلة مع القيم الزائفة الدخيلة، صراع الحق مع الباطل، وهو بحسب السيميائية الرياضية صاغ ذلك من خلال مفاهيم ذهنية مجردة هي التناقض الفج على الأصالة والقيم والمبادئ المتمثل في فتحية ومحرز و.. و..
وكذلك شبه التضاد بين الصعود في اتجاه القيم بلا أضواء، بلا نفوذ، بلا مال وبين الهبوط في اتجاه القاع بالمال المشبوه والعرض المباح والمبادئ الوضعية السافلة.

ومن خلال تلك المفاهيم (التناقض والتقابل وشبه التضاد) صنع الأديب من روايته خطين مستقيمين كالآتي:

ومن خلال النسق السابق نعرف مدى الصراع العنيف بين البدايتين في الخطَّين والصراع العنيف بين النهايتين في الخطَّين، وتتداول الهزيمة والنصر بين هؤلاء وأولئك على مستوى الحدث والتأثر إلى أن نصل إلى نقطة التسابق المتسارع، وهنا يأخذ الأديب آلة تصويره ليلتقط لنا صورتين لمسجدين: المسجد الأول (المسجد الكبير) فيه فتحية والسيد المحافظ وأصحاب الزي الرسمي وهم (يذكرون) إنجازات السيد الرئيس، وأما الصورة الثانية فهي لمسجد وسط البلد وبه أناس (يذكرون) نعمة الله عليهم أثناء زواج أيمن من أميمة سعداء بجموعهم التي التقت على الحب والخير.

ويزداد الصراع تأججًا مع ارتفاع نبرة العزة والثبات والثقة عند أشخاص الخط الأول في مواجهة أشخاص الخط الثاني ومن يقفون وراءهم، استمع إليهم: لم يبق لي من دعوتي إلا هذا والأمر لله وحده، محمد رضوان السماك، أقدارنا ليست في أيديكم، لا تصنع في مكاتبكم المكيفة، أقدارنا قدرها الله الذي خلقنا.

أما عن الصراعات الداخلية فلقد حشد الأديب ألونًا منها تساعد في مجموعها على تنامي ووضوح الصراع العام للرواية ومن تلك الصراعات:

الصراع النفسي الداخلي عند عبد السميع دربالة عندما واجه مشكلة فتحية.. "الرجل المسكين الذي زاده الانكسار انكماشًا وتضاؤلاً فدفن رأسه بين كفيه الغليظتين" "تمن أن يشق قبره الآن".

صراع الأستاذ النفسي بسبب فتحية التي تنتمي إلى عائلته "انطلقت الكلمات المشتعلة من فوهة فم الأستاذ.." "لا يعرف الأستاذ كيف غادر مائدة إسماعيل مبروك..".
صراع أم فتحية النفسي "بطن البنت بتكبر يا حاجة.. دبريني الله يسترك".

صراع أم أميمة بين القبول والرفض عندما طلبت الحاجة أم طارق زواج طارق من أميمة،
صراع السلطة المتوحشة بقشرة الديمقراطية مع الشعب البسيط، "انطلق لسان العمدة بمجرد إحساسه بالأمان.. وصف الانتخابات بأنها قلة أدب" "لطمه مدير الأمن على وجهه وقال له: أنا لا أستعطف أحدًا يا بن الكلب".

ويمكن الاستدلال على صراع السلطة مع الشعب البسيط من خلال الجدول الآتي

صراعات عنيفة متلاحقة يأخذك هذا الصراع ليسلمك إلى آخر مما أعطى الرواية متعةً فنيةً وتشويقًا يحسب للأديب.

غاية الأديب

يقول محمد خلف الله أحمد: "الأديب مواطن، وليس لأي مواطن أن يتخلَّف عن الصفوف حين تخوض أمته معركةً من معاركها الشاملة الحاسمة".

إن وظيفة الأديب التوحد مع مجتمعه فهو يحس بما يحس به، ورواية (حكاية القشرة واللب) تعد نبضًا لوجدان المجتمع المصري وحياته المعاصرة وأن هناك ملاحظةً تسطع في آفاق الرواية بين حين وآخر، ألا وهي سيطرة الفكرة الإخوانية كجزء من المجتمع الحديث توجِّه إليها الحكوماتُ سهامَها، مع أن أصحابها أصحاب دين ووعي وولاء لمجتمعهم.

لقد سيطرت تلك الفكرة على ذهن الأديب وإن خفف من حدتها في بعض المواقف تناولها بشكل تلقائي على ألسنة شخصيات الرواية، استمع إليهم: "ما زال الناس يتسامرون في ذلك اليوم التاريخي يوم جاء الشيخ حسن البنا إلى سنورس" "هؤلاء إخوانه، محمد رضوان عاش من الإخوان المسلمين"، "كان زميلاً لعبد المنعم أبو الفتوح، كلاهما كان رمزًا إخوانيًّا في كليته.."، "هذا قدر الإخوان، وهم لقدر الله ممنونون".

ومن زاوية أخرى، هل نستطيع أن نقول: إن الأديب قد وضع لبنةً في صرح الرواية الإخوانية، إن صح التعبير، صحيح أن الدكتور نجيب الكيلاني- رحمه الله- قد أشار في بعض رواياته إلى ذلك، إلا أن روايات الدكتور الكيلاني أكدت غالبًا على جانب المعاناة داخل السجون في فترة من فترات الصراع، أكدت غالبًا على جانب المعاناة داخل السجون في فترة من فترات الصراع، لكن الرواية هنا نزلت إلى عمق المجتمع، وما فيه من أحداث.

إن هذا الشكل من الرواية تطوُّرٌ يليق بطبيعة المرحلة الحالية، من عمل وإستراتيجية الإخوان المسلمين، وأيضًا تفترق رواية "حكاية القشرة واللب" عن الروايات الأخرى في هذا الاتجاه، من خلال الصراحة والوضوح عند ذكر السماء والأفكار والمواقف؛ مما يشير إلى شخصية الأديب التي قد تتميز بسمات منها: البعد عن الانزواء أو التواري والوضوح والصراحة التي قد تكون شديدة صارمة أحيانًا، وليس عيبًا أن يتبنَّى الأديب وجهةً أو عقيدةً أو مبدأً أو- كما يقال- أيديولوجيةً معينةً، إن الأديب المسلم مطالب بأن يكون امتدادًا لفجر النهضة الإسلامية ومعاركها الإنسانية النبيلة.

إن هذا الأدب الذي يطلق عليه أدب الداعية ليس بدعًا في عصرنا بل هو موجود في كل العصور وفي كل المعتقدات يقول هربرت ريد: فالطابع المسيحي ظاهر وواضح في إنتاج أدباء المسيحية، والطابع اليهودي أشد وضوحًا في إنتاج أدباء اليهود، والطابع البوذي ظاهر في عطاء الهند والصين وإن كان بين بوذية الهند وبوذية الصين اختلاف يظهر أثره في الأدبين.

إذن نستطيع أن نقول: إن غاية الأديب هي خدمة فكرة الخير والحق والعدل وترسيخها في النفوس.

الإشارة إلى الفكرة الإخوانية والتوجه الإخواني من الناحية الاجتماعية والسياسية.

أسلوب السرد

استخدم الأديب ما يسمى عند النقاد بأسلوب الرؤية المرافقة، بمعنى أن السارد أو الحاكي (وهو هنا ضمير الغائب) يسير خطوةً خطوةً مع الأحداث معبِّرًا عن الشخصيات تعبيرًا دقيقًا فهو هنا بالرغم من كونه قد يعرف أكثر مما تعرف الشخصيات إلا أنه مع ذلك لا يقدم لنا أي تفسير للأحداث قبل أن تصل الشخصيات ذاتها إليه.

وقد استخدم ذلك الأسلوب حتى لا يقع في المأزق السردي، المتمثل في (الرؤية من الخلف)، التي يفترض فيها السارد أنه يعي كل الشخصيات أكثر من وعيها بنفسها؛ فهو يرى كل شيء خلف الجدران وتحت الأسقف وما تنبض به القلوب.

كذلك استخدام الأديب بوضوح أسلوب المونولوج الداخلي، فآلة تصويره تعود إلى الخلف في كثير من المواقف- تصور ما مضى دون الإخلال بالترتيب الزمني.

قسم الأديب روايته إلى دفقات سردية روائية ومع بداية كل دفقة يقف الحاكي بنا وقفة الحكيم الفيلسوف يطلق حكمته التي استوحاها من خبرات السنين وتعاقبها ومن حقائق الزمان والمكان بحيث يلخص بحكمته أحداث ومفهومات الدفقة، استمع إليه وهو يهمس في أسى:
"الحزن سم ناري ينفثه القلب إلى أقصى الأطراف يسحب منا الروح قبل الموت.."

لكن الملاحظ أنه ينهي كل عبارة استفتاحية (بجملة) من آي القرآن الحكيم لتسكن عندها النفس الحائرة أو المترددة في فهم عباراته.

إن الأديب بذلك كأنه يضع في يد القارئ مشكاة يكشف بها الأحداث وما وراء الأحداث يقول في نهاية بعض الافتتاحيات: "كل يوم هو في شأن" "والله يحيي ويميت" "والله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين".

وكان الأجدر بالأديب أن يضع القرآن العظيم بين علامتي تنصيص.

اللغة

استخدم الأديب اللغة الفصيحة، إلا أن هناك ملاحظات:

استخدم أحيانًا العامي الفصيح مثل: "لبس البوصة تبقى عروسة"، وكلمة "جرسة" بمعنى فضيحة.

استخدم العامي أحيانًا مثل: "شوفي أهلها يلموها" "يخرج لسانه ويعايرها بعجزها".
الوقوع في أخطاء لغوية كثيرة قد تكون مطبعية مثل العيال لا يعرفوا (يعرفون) أصبح لها راتبًا شهريًا (راتب شهري) أن تنقض (تنقضي).

الصورة

يستطيع الناقد أن يصف الرواية بالبيانية؛ إذ يلمس القارئ حرص الأديب على التصويرات والتشبيهات حرصًا قد يكون مبالغًا فيه في كثير من الأحيان، فتأتي صوره- وخاصةً التشبيهات- بلا داع وبلا تناسق، انظر "حركت رأسها كإنسان آلي من الأجيال الأولى البليدة".. "علامة استفهام انتصبت في وجهها كحية كوبرا شرسة تأبى المسالمة أو الرحيل".

وانظر إلى الصورة الآتية التي بدا فيها عدم التناسق بين المشبه والمشبه به، وهي أيضًا لا تتناسب مع الموقف الداعم للخير والحق: "ذات صباح اعترض طريقها محمد رضوان، انتصب في وجهها كصخرة عملاقة سدت مجرى جدول مائي صغير" "فالتشبيه التمثيلي هنا منتزع من وقوف محمد رضوان بشموخ وإباء في طريق فتحية رافضًا ما تصنعه بنفسها (وهو الموقف المشبه) وأما الموقف المشبه به فهو وقوف الصخرة العملاقة التي تقف في مجرى الجدول الصغير.. (والسؤال: ما وجه الشبه بين فتحية ومجرى الجدول؟ وما وجه الشبه بين موقف محمد رضوان هنا وموقف الصخرة هناك؟)".

وانظر "تنفجر حروف كلماته وكأنه يتعارك في سوق مزدحم"، واستمع إلى هذا التصوير الغريب: "جاءت كالمزة التي يغير بها شاربو الخمر مذاق أفواههم العفنة".

وما سبق لا يعني أن صور الأديب كلها هكذا، بل إن هناك صورًا بديعةً غايةً في الروعة مثل: "خرجت الحروف متثاقلة يجر بعضها بعضًا كجنود جرحى عائدين..."

ومثل الكناية الجميلة: "انطلقت لتلقى بالأَتون المستعر فوق كتفيها تحت شلال الماء البارد.."،
ومثل "صورة الشيخ عبد البديع وهو خطيب فوق منبر الجامع فاتحًا ذراعيه كشجرة عجوز".

وما يلاحظ على الصور أيضًا:

أنها عبرت بقوة عن شخصية الأديب، ألا ترى معي الروح القتالية الجهادية الصلبة في:
"خرجت الحروف متثاقلة يجر بعضها بعضًا كجنود جرحى عائدين مهزومين من ميدان القتال.."- "انطلقت الكلمات المتثاقلة من فوهة فم الأستاذ كسلسلة قنابل عنقودية تتابع انفجارها.."- "لكن الغضب المحموم الذي غادره منذ أيام عاد ليقتحمه كعصابة صهيونية تغتصب قرية آمنة"، وهي صورة رائعة.

"عكف الأستاذ في غرفته طوال ذلك اليوم، لم يرافقه في حبسه القهري سوى الكآبة التي استوطنته وعربدت كجيش كافر لا يرقب إلاًّ ولا ذمةً".

وبعد تلك كانت قراءة في رواية (حكاية القشرة واللب) قد يشوبها ما يشوب الأعمال البشرية من النقص والخطأ.

ليست هناك تعليقات: