الاثنين، ٢٤ يناير ٢٠١١

من الجاني في تفجير الإسكندرية؟؟؟


أعتقد أن الانفجار الذي دوى أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية في الدقائق الأولى من العام 2011، لم يكن انفجار زمان ومكان، ولكنه انفجار في قلب الوطن.
انفجار أفزع كل المصريين، مسلمين ومسيحيين، وداهم الجميع هاجس البداية الكارثية لأحداث دامية، لا أعتقد أن أحداً منهما سينظر إليها بحسابات المكسب والخسارة الطائفية، ذلك ببساطة لأن كلاهما خاسر عندما يخسر الوطن.
وبشاعة الجريمة تجلت في الحجم التدميري للانفجار، وأسلوب التفجير الفردي الذي لم تعرفه مصر، وهو دليل على بداية نوعية خطيرة لم يعتدها الوطن المصري من قبل، وجاءت في الزمن الخطأ الذي يصعب على المصريين تجاوزه وهم يعانون وطأة الاستبداد السلطوي، والواقع المجتمعي الهش، والتراجع على كافة المستويات والأصعدة، هذا فضلاً عن التهديدات الخارجية الخطيرة المحدقة بالوطن من الشمال والجنوب على السواء.
من هنا يمكننا تفهم خطورة العبث السياسي والإعلامي بالقضية، ويأتي العبث السياسي المتوقع من حكومة ضعيفة معزولة عن الشارع ولا تعرف التعامل إلا بالقوة وعصا الأمن الغليظة، وهنا لن يهمها سوى دفع شبهات التقصير الحكومي، أو التهافت لاسترضاء المتضرر، وأيضاً سيكون عليها المكافحة لنفي ما التصق بها من التمييز ضد المسيحيين والتبرؤ من التقارير الخارجية التي تنسبه لسلطة الحكم في مصر.
أو توظيفها لتكريس القمع الحكومي والديكتاتورية البغيضة التي عزلت الشعب تماماً عن التمتع بحقوقه المواطنية والإنسانية، وقهره ليبقى بعيداً عن الفعل والمشاركة في إدارة شئونه.
أما العبث الإعلامي فقد جاء كالعادة دائماً خائباً متخلفاً، ومارس الإعلام معالجة الكارثة بسذاجته التي تربى عليها في أحضان الحزب الوطني، فكان كل همه أن يذيع أقوال المسيحيين والرسميين، ولا بأس باستدعاء المشايخ ليؤكدوا على قوة الوحدة الوطنية ومتانة تماسكها، ولا بأس بإطلالة رموز الحزب الوطني من المسيحيين، مع أن هذه الجريمة بداهة لا يمكن أن يتورط فيها مسلم متدين أو وطني عاقل، ولكنه الأداء الأرعن الذي طفح من نفوس مرتعبة من توجيه الاتهام بالتقصير أو التمييز فتفقد مميزاتها ومخصصاتها التي تتحصل عليها بامتهان الكذب وتزييف الحقائق، وتبرير قرارات وإجراءات السلطة الحاكمة، أو آلهة الرزق والأمان في مصر ـ كما يعتقد سدنة الحكم الديكتاتوري ـ. 
 وبالفعل جاءت المعالجة الإعلامية معبرة عن رعب السلطة الحاكمة، وكان كل همها التأكيد على الجرأة والمبادرة الإعلامية في التصدي للجريمة، أو الاهتمام بالتأكيد على حكمة الإجراءات والتدابير الفورية التي اتخذتها السلطة الحاكمة لاحتواء الكارثة الوطنية، وسلامة تعاملها معها، ومدى فاعلية رجال الأمن، وأداء الصحة المصرية وسرعة الاستجابة والتحرك ، وفي سبيل هذا لا بأس بتبادل الكلمات اللطيفة بين المسلمين والمسيحيين، والمعانقة الحارة لإقناعنا بأننا شركاء وأخوة في الوطن، في الوقت الذي لا نحتاج فيه لمثل هذه الشكليات بقدر حاجتنا إلى إقامة دولة المؤسسات الكفيلة بحماية الجميع، مسلمين ومسيحيين، حكومة ومعارضة. 
ليس فتنة طائفية
من السذاجة، إن لم يكن من الغباوة والضلال أن نقيم الجرم البشع على أنه فتنة طائفية، فهو ليس من جنسها، ولا ينتسب إليها، ولكن يمكن توصيفه إلا بالجريمة الآثمة لتفجير مصر، وتغييبها في أتون الصراع، أو دوامة العمل الانتقامي الغبي الذي يأمل المتآمرون أن يتورط فيه السذج والمتطرفون من الجانبين.
ولعل الرهان على حالة الإحباط الشعبي خاصة بعد مهزلة الانتخابات الأخيرة، والمشكلات المجتمعية كالبطالة والفقر وغياب القدوة والهدف ـ لدى الشباب خاصة ـ تنتصب كمطامع مغرية لتحقيق أهداف أعداء الوطن، والمرتزقة من ترديه وانكساره.
أعتقد أن المصريين لن ينتظروا رأي الحكومة، ولا الأدلة الجنائية، ولا تحقيقات النيابة، لأنهم يعلمون الجاني الحقيقي الذي يهدد شعب مصر، ويعمل على تقويضه.
إن التعبئة في مصر كانت قائمة على قدم وساق بين المسلمين والمسيحيين من فترة ليست بالقصيرة، وتولد عن هذه التعبئة احتقان قوي أفرز العديد من المواقف التي كانت كفيلة بنظر العقلاء لإعادة توجيه الأمور والعمل الجاد الصحيح لوقف حالة الانزلاق والتردي إلى هذا الدرك الخطير الذي يفتح الباب على مصراعيه لأصحاب المصالح في الداخل والخارج للصيد في الماء العكر، وضخ الوقود اللازم لزيادة الاشتعال والتأجيج وتهيئة مناخ مناسب لتوريط مصر على طريقة العراق واليمن والسودان والجزائر.
ولقد عبرت الجماهير المسيحية تعبيراً عفوياً عن هذا الاحتقان عندما انفجر غضبها بالاعتداء على قداسة المسجد المجاور لكنيسة القديسين.
وأيضاً في ممارسة بعض القيادات المسيحية التي نظمت مظاهرة أمام كنيسة القديسين في اليوم التالي للجريمة وطالبت بإصدار قانون العبادة الموحد، ولا أدري ما وجاهة المطالبة به في هذا التوقيت اللهم إلا استغلال ضعف السلطة الحاكمة وابتزازها.
وهل سيمنع إصدار قانون دور العبادة الموحد تكرار مثل هذه الجريمة البشعة؟
بدأ الاحتقان بين المسلمين والمسيحيين في مصر مع إعلان السلطة الحاكمة احتكار حماية المسيحيين
المصريين ليتم تحويله من شأن مواطني مصري خالص يكفله الدستور ويحكمه القانون، إلى ملف أمني
تتحكم فيه وزارة الداخلية أو رئاسة الجمهورية.
وحذر العقلاء والحكماء من المسلمين والمسيحيين السلطة الحاكمة في مصر من خطورة اللعب بورقة الطائفية، والقيام بدور الحامي للمسيحيين في مصر من المتطرفين المسلمين، وعقد الصفقات السياسية لكسب أصوات شعب الكنيسة.
لكن السلطة الحاكمة في مصر لا تمارس سياسة، وتجهل دروس التاريخ، وتنتهج الاستبداد والطغيان، وتسعى حثيثاً لكسب النفع العاجل ولو كان الثمن تهديد أمن مصر.
هل كان قرار الحراسة الأمنية للكنائس قراراً عاقلاً وفر أمناً أو منع اعتداءً عن الكنيسة؟
وما جدوى بعض الخفراء أو أمناء الشرطة في الجلوس على أبواب الكنائس؟
أكبر الجرائم
جاءت اكبر جرائم السلطة الحاكمة في مصر في التعتيم على القضايا المتعلقة بالمسيحيين، والتكتم عليها، وغياب القانون في معالجتها ظناً منهم أنهم بهذا يحمون الوحدة الوطنية، فأفسحت أفاقاً وفضاءات شاسعة للاستفهام الغاضب، وسوء الظن بين المسلمين والمسيحيين.
لماذا لم يعلم الشعب بحقيقة الأحداث التي جرت فوق أرضه، ولماذا لم يتم إدانة المتورطين فيها مسلمين أو مسيحيين حسب القانون؟
ولعل التداعي السريع بدأ من حادث الكشح، وما أثير حوله من جرأة مسيحيين وتورط أمنيين.
وتبعه مباشرة كارثة القطار التي راجت حولها شائعات كثيفة، وتحدث البعض عن أدلة وقرائن لم تجد من ينتصر للحقيقة ويعالج الشأن الخطير بإجراء قانوني علني يضع الجميع أمام مسئوليتهم عن مصر وشعبها.
وتتابعت الأحداث، والسلطة الحاكمة تخفي وتتكتم، وتتعامل معها كوقائع محرمة لا يجوز الاقتراب منها، سياسياً أو إعلامياً.
قضية وفاء قسطنطين، والعديد ممن أسلموا وأسلمن بموجب الحق الدستوري، والحرية الخاصة التي كفلها القانون والمعالجة الغبية التي تورطت فيها السلطة الحاكمة في مصر، وداست باستبدادها وغطرستها الدستور والقانون وأحكام القضاء، فهل انتصرت للمسيحيين عندما سلمت إليهم أفراداً مصريين ليحاكموهم على طريقة محاكم التفتيش فوق أرض مصر؟ أم أنها دفعت الكنيسة لمزيد من الابتزاز، وأججت نفوس المسلمين بموقفها المشين.
لماذا لم يعرف الشعب حقيقة ما نشر عن قضايا السلاح الذي يدخل إلى مصر بمعرفة قيادات كنسية، وما أشيع عن مزرعة ثروت باسيلي بطريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي، وهواجس الناس عن أسلحة مخبأة في الكنائس؟ واغتصاب أراض الدولة وضمها للأديرة بالبلطجة، ومهاجمة رجال الشرطة والاعتداء عليهم بالقوة؟
أليس من حق الشعب أن يعرف ما يجري فوق أرضه؟ أليس من حق المواطن المصري أن تخبره حكومته بالحقائق لتغلق أمامه أبواب الشائعات، ومساحات الظن السيئ؟
حادث العمرانية، وتدبير تظاهرة ضخمة حشد لها من خارج العمرانية، اعتدت عمداً على رجال الشرطة، وتجرأت على مبنى مديرية أمن الجيزة، وهو حدث لم تعرفه مصر منذ عام 1981، مع الفارق الشاسع بين الحدثين في الهدف والإجراء، وجاءت هذه الواقعة خاصة لتصدم مشاعر المصريين من الفعل السافر الذي استهدف هيبة السلطة الحاكمة، وفرض الرأي الكنسي عل القانون بالقوة، في واقعة تافهة، أو إشكال إداري يمكن حله في أحد مكاتب صغار الموظفين بالوحدة المحلية.
ومع كل ما تحرص عليه السلطة المصرية الحاكمة من ترضيات وتجاوزات للمسيحيين المصريين تتهم بأنها تمارس التمييز ضد المسيحيين المصريين.
لماذا لم تحقق السلطة المصرية في أقوال د. محمد سليم العوا عن سفينة الأسلحة أو المتفجرات التي ضبطها الأمن المصري؟
ولماذا لم يحقق مع الأنبا بشوي عندما صرح بأن المسلمين ضيوف في مصر؟
(لست أدري حتى هذه اللحظة ما هي الأسباب التي دعت الجهات القانونية إلي أن تتراخي في التعامل مع بعض من الترديدات الطائفية التي تبعثرت فوق رءوس الناس وعصفت أذهانهم خلال العام الماضي)   
(هذه النوعية من الترديدات التي تم إفساح المساحات لها علي نطاق واسع في مختلف وسائل الإعلام الخاصة.. وبمنتهي العمدية.. بل وبتنافس فيما بينها.. وصلت إلي حد أن ادعي العوا أن هناك أسلحة في الكنائس.. وبلغت حد أن قال بيشوي إن المسلمين ضيوف علي مصر.. وإن البلد بلد الأقباط.. فهل بعد هذا تحريض؟)*                                                                                         
البغل في الأبريق
المثير للدهشة والغيظ فوق كل هذا كان تصريح رئيس الجمهورية التي صدر عقب حادثة اقتحام كنيسة النجاة بالعراق.
فقد صرح الرئيس المصري: "حرصه البالغ على حماية أبناء الشعب بمسلميه وأقباطه من قوى الإرهاب والتطرف"**                                                                                                          
وإذا كنا نقدر الشعور الطيب للرئيس، إلا أننا نقول له: أن حرصكم يجب أن يكون في إقامة القانون الحاكم للشعب المصري، وتطبيق أحكام القضاء، والشفافية في معالجة المواقف والأحداث، وتفعيل نصوص الدستور التي تكفل حق المواطنة، والحريات الخاصة والعامة، وتقيم المصريين جميعاً أمام قانون واحد لا يعطله توجيه رئاسي أو قرار أمني.  
إن الشعب المصري ليس رعية عند حاكمه يحميه أو ينفيه أو يقتله وفق شهوته وهواه، الشعب مصري أصيل في الوجود والفعل والمشاركة الحضارية الإنسانية ولا يحتاج لحماية أحد أياً كان موقعه ومكانته، وما قيل عن حمايته من شخص الرئيس إهانة للشعب جميعاً وإساءة لجماهيره وتاريخه وحضارته على السواء ـ.
إن الشعب المصري يتمتع بثراء عريض، وطاقات خلاقة، وحضارة ووجود، ويملك القدرة على التغيير والفعل الإيجابي، ولكنه يفتقر لحريته وامتلاك ناصيته، ويفتقر إلى مؤسسات تدير شئونه وليس رئيساً يتكفل بحمايته.
إن كلمة السر في أمان الشعب المصري تكمن في كونه شعباً واحداً، كما تكمن الخطورة في التعامل معه كشعبين، أحدهما تحكمه وتدير شئونه سلطة الكنيسة، ويعتمد على الحماية الخارجية، ويستغل كل فرصة لتحقيق مكاسب على حساب الشعب الآخر المطحون بآلة الاستبداد والمتجرد من أي حماية خارجية أو قانونية.
لن يتحقق الأمان للمصريين إلا بإعادة الكرامة الوطنية والانتماء الوطني الذي جمع المسلمين والمسيحيين تحت راية واحدة لمواجهة الاحتلال الخارجي، وتسلط الحكم الملكي معاً، وكان مثالاً رائعاً للأداء الوطني.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عبد الله كمال: بلد كاميليا. روز اليوسف. العدد 1687 - الاثنين - 3 يناير 2011
** مبارك يؤكد على حماية أقباط مصر b.b.c الأحد, 7 نوفمبر)

ليست هناك تعليقات: