الجمعة، ٤ يناير ٢٠٠٨

أمن الدولة

أثارت التجربة الأخيرة لولديَّ عمرو والطيب مع أمن الدولة العديد من الأسئلة التي انتصبت كالعفريت الأزرق في وجهي، وفرضت نفسها عليَّ بوقاحة.
القاصر ابن العشرين عاماً عجز عن تفسير موقف السادة الضباط الأشاوس.
اقتادوه وأخوه الذي يكبره بعام واحد وهما مقيدان بالقيود الحديدية إلى غرفة البيه المأمور، أحاطت بهما كتيبة من الضباط متبايني الرتب، وانهالوا عليهما بالضرب.
والولد يسأل مغتاظاً.
هل هذه رجولة؟ هل هذه شجاعة؟ هل هذه بطولة؟
كيف يتورط رجال كبار في السن والرتبة في هذا العمل الحقير؟
موقف محرج.
عجزت عن التفسير.
يا ولدي. هذا ليس زمن الفرسان، المادة سحلت القيم الإنسانية السامية، كما فعل بكم هؤلاء الأشاوس. لا تسألني عن الحق والعدل وحساسية الضمير الإنساني في زمن خلى القلب منها وبات فراغاً لا يشغله إلا الراتب والحافز والبدلات، ولا يهمه إلا الحرص على رفاهية حياته ولو على حساب كرامته الإنسانية، وقيمته كآدمي.
من يبيع كرامته ليملأ بطنه، ويمتع نفسه، كمن تبيع شرفها لتأكل وتلبس. كلاهما دعارة.
يا ولدي لا تلم هذه الفئة التي مسخت إنسانيتها، فأصبحت آلة صماء، لا تعرف سوى الطاعة العمياء لمن يملك الأمر، وجميعهم عبد المأمور.
استغنت عن العقل، بعدما اعتادت على استخدام اليد واللسان، وما قيمة العقل في عملهم؟ّّ! قطعة خردة صدأة بفعل الإهمال وعدم الاستخدام.
فاجأني. ولكنهم مسلمون.
نعم يا ولدي. مسلمون.
مسلمون ويبالغون في إظهار أنهم مسلمون كما كتبت في روايتي، أنهم يضعون سجادة الصلاة وحبات مسابحهم في أعيننا عندما ندخل مكاتبهم، وليس بالطبع لإقناعنا بأنهم مسلمون، فانا لا أشك في أنهم كذلك، ولكنهم يكافحون لإقناع أنفسهم بأنهم مسلمون، فنفوسهم وفطرهم وضمائرهم تمارس عليهم ضغطاً قوياً من الداخل، لذلك فهم يعالجون هذا الضغط النفسي بهذه المظاهر التي لن تغني عنهم شيئاً.
ولذلك يا ولدي تراهم يقنعون أنفسهم بأننا خطرون، ويتمنون في قرارة نفوسهم لو أننا كذبة وأفاقون ومحتالون ونأكل المال الحرام، ليس لشيء إلا ليكتموا صوت ضميرهم الصارخ بقوة في صدورهم، وليبرروا لهذه النفوس أنهم على صواب، ويحاولون التوافق مع ما يلقنون من أقاويل ظالمة ينتهكون بها إنسانية قطاع طاهر من هذا الشعب لمجرد الرغبة السامية للسادة مغتصبي السلطة والثروة في مصر.
وانفجر الولد القاصر.
ولكن أين أمن الدولة؟
قلت حزيناً: يا ولدي لا تنكيء جراحي التي أجاهد في مداواتها، أمن الدولة آخر ما يشغل الدولة.
أمن الدولة أكذوبة يا ولدي، بعبع أسطوري لإرهاب الناس حتى لا يسألوا عن الثروة، ولا يشاركوا في السلطة، وليتكيفوا مع أي حياة رخيصة تفرضها الأجندة الصهيوأمريكية.
أمن الدولة ليس جهازاً يسهر على أمن الدولة، ولكنهم موظفون في خدمة السيد الآمر، ويحرصون على وظائفهم وامتيازاتهم.
يا ولدي. كل السلطة موظفون تتدرج وظائفهم من رئيس الجمهورية، إلى ساعي مكتب مدير التموين أو الصحة أو الأوقاف.
موظف للطاعة، لا عقل، لا فكر، لا إنسانية، برمجوه على الطاعة لرئيسه ولو كان لصاً يخرق القانون.
قل لي يا ولدي. هل سمعت عن قرار الكونجرس الأمريكي بشأن المعونة الأمريكية الممنوحة لمصر؟؟
فضيحة أمام العالم، جرسة لمن أراد أن يشمت ويسخر من شعبنا المسكين.
يا ولدي أحزاني تكفي أمة.
فضها سيرة.
لعن الله من يخشى من غير الله.
أقدارنا قدرها الله، وأرزاقنا قدرها الله، وأعمارنا قدرها الله، فلنعش أحراراً كما خلقنا، وليتمتع الطين بأكل الطين.
والله اكبر ولله الحمد

أحمدي قاسم محمد
الاثنين: 31/12/2007

ليست هناك تعليقات: